أخر الاخبار

رواية وقعت في حبه مجددآ الفصل الخامس





 رواية وقعت في حبه مجددآ 

الفصل الخامس 

إذا، سنركز على دراسة المشاهد. كيف تصنع الشخصية، و كيف تقدمها أمام الكاميرا. سنركز على تحركات أجسادنا و التحكم في أصواتنا، و أكثر، كتدريب و مراجعة لما تعلمتموه من قبل عن التمثيل. كل ذلك لمدة شهر، قبل تجربة الأداء التي سيتم فيها إختيار وجوه جديدة لأجل الفيلم الذي تعمل عليه الشركة...


حرك إيان ذراعه و لمس بمرفقه مرفق روز. إلتفتت إليه، فابتسم لها هامسا.

- أ لم أخبركي؟


أومأت مبتسمة، فرفع كلا حاجبيه مرتين مفتخرا، فجعلها تضحك. لكن سرعان ما توقف كلاهما خوفا من أن يُعاقبا. أنزل ايان عينيه ليتحكم في رغبته في الضحك، و عضّت روز على شفتها السفلى لمنع إبتسامتها من الظهور.


***


- أضف بعض الملح.

- حاضر.


إلتحق آدم بالطاهي الثاني و تفقد طبقهه. تذوق قطعة خضار، ثم أومأ له و ربّت على كتفه.

- جيد.


ثم أسرع نحو الطاهي الثالث أمامه، تذوق الصلصة التي لا يزال يحركها على النار، ثم أغلق عينيه لبضع ثوان وهو يحاول إكتشاف ما ينقصها لتصبح مكتملة.

- أضف القليل من الثوم.

- حاضر.


إتجه نحو الفرن و تفقد الخبز الذي أعده قبل قليل، ثم بعدها تفحص طلبات الزبائن.

- آدم.


إلتفت عند سماعه إسمه، فلمح صديقه، صاحب المطعم يلوح له بابتسامة، فابتسم بدوه متسائلا.

- إريك! هل أساعدك في شيء؟


تبسم صاحب المطعم.

- تعال معي إلى المكتب.


***


دخلا المكتب.

طلب إريك من آدم القعود، ثم جلس من بعده أمامه.

- آدم، أحتاجك أن تدير المطعم لهذا الأسبوع. إبتداء من الغد.

- ماذا تقصد؟

- زوجتي في المستشفى، و ستنجب قريبا. أرغب في البقاء بجانبها. لذلك لن أتمكّن من إدارة المطعم لمدة.


إتسعت إبتسامة آدم.

- مبروك عليك!


أومأ و شفتاه منبسطتان.

- شكرا لك.


ثم سأل بعد سكوت.

- إذا؟ ماذا قلت؟

- لمدة أسبوع؟

- أجل.

- و الصحفي الناقد الذي سيزور مطعمك؟

- أعتمد عليك في ذلك. قدّم له أفضل ما تتقن إعداده، أو وصفتك الخاصة، دعه يُعجب بطبخك و يكتب عنك. إنها فرصة.


إبتسم آدم في إرتباك.

- لا أدري. لست.. لست واثقا.

- أما أنا فأثق بك. هيا. لو كنت ستدمر سمعة المطعم لما فكرت في تسليمك مكاني. أنت محترف، موهوب و فنان. و أثق بك.


أرخى آدم بصره الذي يفضح حيرته على الأرض. حاول أن يفكر في الأمر لوهلة، ثم أفصح أخيرا.

- سأحاول ما في وسعي.

- أعلم أنك ستفعل.

إنتهت الحصة، همّ الجميع بمغادرة غرفة التدريب معدى إيان. كان لايزال جالسا يقرأ الحوار في صمت، و كانت روز آن ذاك على وشك المغادرة برفقة البقية، لكنها تراجعت عن ذلك عندما إنتبهت إليه.

تقدمت نحوه.

- أ لن تغادر؟


رفع بصره عن الأوراق بين يديه، ثم إبتسم لها إبتسامة لطيفة.

- ليس الآن. سأبقى هنا لبعض الوقت.


وضعت حقيبتها أرضا ثم إقتربت من موقع جلوسه.

- لتتدرب؟


أومأ و شفتاه لاتزالان تحتفظان بنفس الإبتسامة.

- أ لا يمكنك العودة إلى البيت.. و التدرب هناك؟


هزّ رأسه نفيا.

- أعيش في شقة صغيرة برفقة صديقين مزعجين.


تبسمت ضاحكة. فأضاف.

- من الصعب علي أن أتدرّب وسط تلك الضجة.


إكتفت بإيماءة صغيرة. قام من مقعده، إعتدل أمامها، ثم طلب.

- أ يمكنك البقاء قليلا؟ أقصد.. لنتدرب معا.


خيّم الصمت لوهلة وهي تبادله النظرات.

- لما لا! ليس لدي شيء أفضل أقوم به على أية حال.


ثم أضافت قائلة.

- هيا إذا. أي جزء من الحوار تعمل عليه الآن؟

- هذا.


قدم لها الصفحة، فأخذت الأوراق منه، تفحصت النص.

- صعب بعض الشيء. دعني أتقمص الشخصية أولا.

- لك ذلك.


وضعت الأوراق على الكرسي، أغلقت جفنيها لمدة قصيرة، ثم فتحتهما لتصلهما بعيني إيان. تغيرت ملامح كل منهما. بدت روز خائفة، قد تبكي في أية لحظة. و بدى إيان جادا، حزين الملامح، و عيناه تعكسان تعبا و حزنا حقيقيين.

فتح شفتيه ثم قال بصوت متعب.

- علي.. علي أن أرحل.. الآن.


إقتربت منه و عيناها إمتلأتا دموعا.

- مجددا؟ ستتركني مرة أخرى؟


طأطأ رأسه قليلا كالمذنب ثم أجاب بنبرة هادئة.

- علي الذهاب. علي الرحيل. لكنني.. سأعود. أعدك.


مدت كفيها المرتعشتين إلى يده، ثم سمحت للدّموع أن تبلل خديها.

- سبق و وعدتني.. سبق و إنتظرتك.. طويلا. لم أعد أتحمل الإنتظار. لم أعد أتحمل الفراق.


رفع بصره إليها في تردد، تساقطت بضع قطرات من الدموع على خديه ثم تأفف أسفا، و قال بصوت شبه خافت صاحبته رعشة متوترة.

- أنا كذلك.. لم أعد أتحمل الفراق.. لم أعد أتحمل.. ماذا أفعل؟ أخبريني.. ماذا أفعل؟


إقتربت منه وهي تتفحص عينيه المتعبتين، بعينيها القلقتي.،

- إبقى.. إبقى معي وحسب.


تبادلا النظرات لوهلة، ليكسر إيان المشهد عندما إبتسم فجأة وهو يتأمل عينيها.

- مذهلة!

ضحكت روز في صمت، تراجعت بضع خطوات إلى الخلف ثم مسحت خديها.

- كنتَ ممتازا أيضا.


إنبسطت ملامحه، وهو يمسح آثار الدموع عن خديه كذلك.

- ممتازا؟ أ لهذا الحد أنا موهوب؟

- أنت كذلك بالفعل.


قال وهو يراقبها تمسح وجهها و ترتب شعرها.

- مع ذلك، أظنك أفضل بكثير.

- ربما. سأقبل مجاملتك هذه.


مدّ يده إلى خدها، و مسح ما لم تنتبه إليه أصابعها من آثار الدموع.

- لم أكن أُجاملك. أنت حقا محترفة.


تقلصت إبتسامتها عندما شعرت بأصابعه تلمسان خدها بلطف، و تجمدت مكانها وهي تدرس عينيه الزرقاوتين لثوان طويلة. إستيقظت من شرودها، و إبتعدت خطوة إلى الخلف.

- أظن.. علي.. علي الذهاب الآن.


أومأ لها.

- أراك غدا إذا؟

- أراك غدا.


إلتقطت حقيبتها، حملتها على ظهرها، ثم غادرت الغرفة بخطوات سريعة لكن حذرة، و كأنها هاربة تحاول جاهدة أن لا تثير الشكوك. خرجت ثم توقفت لبعض الوقت وهي تحدق بالأرض في صمت و كأنها مصدومة، ثم أخيرا رفعت يدها إلى صدرها لتتحسس موضع قلبها. تمتمت لنفسها.

- عيناه. تلك العينان، تحملان نوعا من السحر.


***


دخلت الشقة لتجد آدم في المطبخ، يحرك خليطا على النار. وضعت محفظتها على الأريكة، ثم دخلت المطبخ فلاحظت فوضى تعم المكان. سألت وهي تتجول بعينيها المتسعتين في المكان.

- ما كل هذه الفوضى؟ ما الذي تصنعه؟


أجاب دون أن يرفع نظره عن الصلصة التي يُعِدها.

- أحاول صنع وصفة جديدة تنال إعجاب ناقد مشهور سيحضر قريبا إلى المطعم.

- أ ليس هذا عمل رئيس الطهاة؟

- صحيح. و أنا سأكون رئيس الطهاة لهذا الأسبوع.


تناول ملعقة صغيرة، غمس رأسها بالصلصة ثم قدّمها لروز.

- تذوقي و أخبريني ما رأيك؟

- حاضر. يا رئيس الطهاة!


أخذت الملعقة من يده، ثم تذوقت ما بها من خليط. قال و القلق واضح على معالم وجهه.

- لست برئيس طهاة بعد، كما أنني لست محترفا كذلك. و لا أدري ما إذا كانت هذه الصلصة ستفي بالغرض.


ثم إسنتنشق نفسا و سأل بملامح متوترة لكن متشوقة لسماع الجواب.

- ما رأيك؟


أغلقت عينيها لوهلة وهي تتحسس مذاق الصلصة، ثم فتحتهما وهي تفكرّ لمدّة و كأنها تفكّر في كلمات مناسبة لوصف ما تذوقته لتوها.

- لذيذة.


إستغرب.

- أ هذا كل شيء؟


أومأت و هي تسكب لنفسها كوبا من الماء. عقد حاجبيه.

- من يراك تفكرين يظنكي ستقدمين تقريرا عن الصلصة!


شربت من كوبها.

- إذا، تعدّ الطبق الرئيسي؟


أومأ وهو يسكب الصلصة في طبق بجانبه، ثم أسرع إلى الفرن و أخرج قطع لحم الدجاج دون أن يرتدي قفازات واقية. و ما أن أخرج الصحن الزجاجي حتى شعر بحرارته تحرق كفّيه، فأفلت الطبق و وقع أرضا.


تجمدت ساقاه أمام الصحن المكسور و كأنه غير قادر على الحركة. و من شدة الألم، أخذ ينفح على يده، قصد تخفيفه، لكن دون جدوى. هرعت إليه روز، أمسكت معصمه، ثم سحبت كفّه إلى صنبور المياه، فجعلته يتحرك من مكانه أخيرا. فتحت الصنبور، لتنهمر مياه باردة على يده، فخف الألم قليلا.


أطبقت جفنيها وهي لاتزال تمسك بمعصمه، تنهدت ثم إلتفتت إليه، لتلتقي عيناها الغاضبتان، بعينيه الحائرتين.

- كم مرة ستحرق يديك فقط لكي تتعلم أن تنتبه؟


لم يجب، فتأففت.

- لطالما كنت غير مسؤول و لا تكترث لأي شيء! لكن يداك؟ جسدك؟ أ لا تكترث لنفسك؟ ألا تنتبه لخطواتك؟ أ لا..


إختفت كلماتها من بين شفتيها، عندما شعرت بذراعه حولها. ضمّها بلطف إلى صدره بيده السليمة، فتصنّمت مكانها لمدّة، ثم حاولت الابتعاد عنه بهدوء، إلا أنه سحبها إليه مجددا.


همس في أذنها.

- إبقي قليلا هكذا. أرجوك.


ففعلت كما طلب. و بعد تردد منها، رفعت يدها إلى ظهر، ثم ضمّته بدورها.

الفصل السادس

تعليقات