أخر الاخبار

ليلة من السخافات

 

الفصل 1 ليلة من السخافات

ليلة من السخافات



"أميرة، أغيثيني! تعرضت للاعتداء في النادي!"


كان صوت صديقتها المقربة المليء باليأس والضعف هو الشيء الوحيد الذي يتردد في ذهن أميرة تاج وهي تهرع نحو النادي.


الغرفة ٨٠٨ - ألقت أميرة نظرة على لوحة الأرقام المثبتة على باب الغرفة. كان هذا هو نفس رقم الغرفة الذي أرسلته صديقتها المقربة هالة سمير. بدون تردد، دفعت الباب مسرعة لإنقاذ صديقتها.


لدى فتحها الباب، استقبلتها عتمة الغرفة. فجأة، أمسكت بها يد قوية وجرتها إلى داخل الغرفة المعتمة، مصحوبة بصوت قوي للباب وهو يُغلق بعنف.


"من أنت؟ وماذا تريد؟!" صرخت أميرة، وهي تحاول تقصي محيطها بعينين تتحركان بقلق.


"استرخي، سأتعامل معك برفق." همس صوت رجل عميق وخشن بالقرب من أذنها.


بعد لحظات، أُلقيت أميرة على الأريكة دونما اهتمام، وقبل أن تستطيع الوقوف، ضُغط عليها بجسد نحيل لكن قوي.


أطلقت صرخة خافتة عندما احتجزتها شفتان ذواقتان ولاذعتان كالنعناع.


كان جسد الرجل الواقف فوقها يُشع حرارة لاذعة لدى اللمس. أغرقها شعور بالعجز في بحر من الدموع، بينما كانت تحاول جاهدة المقاومة ضد قوته، لكنها في النهاية استسلمت واضطرت لتحمل قسوته.


بعد حوالي ساعة، خرجت أميرة من الغرفة وهي تترنح، بمظهر مثقل بالأذى. كانت لحظات هذا الكابوس قصيرة، لكنها لم تُنسها قلقها بشأن سلامة صديقتها المقربة.


كانت على وشك الاتصال برقم هالة عندما لاحظت مجموعة من الرجال والنساء يخرجون من باب جانبي. تحت الأضواء، تعرفت فورًا على اثنتين من النساء في المجموعة.


كانت إحداهن هالة، صديقتها المقربة التي كانت قد طلبت المساعدة عبر الهاتف، والأخرى كانت إيمي تاج، أختها غير الشقيقة. كانت الفتاتان تسيران جنبًا إلى جنب، ذراعاهما متشابكتان، كأنهما أقرب الأصدقاء.


الدهشة والغضب علت ملامح أميرة لما رأتهم. "قفي حيث أنتِ، يا هالة!" نادت بصوت مرتفع، وهي تشد قبضتيها بقوة إلى جانبيها.


لدى سماعها هذه الكلمات، التفتت هالة وإيمي نحوها. نظرت أميرة إليهما بغضب شديد، وجهها شاحب وهي تواجه هالة قائلة: "لماذا خدعتني؟!"


ابتسمت هالة بمكر. "ليست مشكلتي إذا كنتِ ساذجة دائمًا، يا أميرة."


"هل أمضيتِ وقتًا ممتعًا مع ذلك الرجل؟" سألت إيمي بنبرة ساخرة وابتسامة متعجرفة.


أدركت أميرة حينها أنها قد وقعت في وحل من الخداع. فقد ضُحي بعفتها التي حافظت عليها لمدة تسعة عشر عامًا لإسعادهما مقابل أغراضهما الدنيئة.


كانت نظرات هالة باردة وهي تسخر: "هل ظننت حقًا أنني صديقتك، يا أميرة؟ نعم كنتُ دومًا في ظلك! ولكني أكرهك وأرغب في تدميرك!"


من جانبها، سخرت إيمي بقسوة: "الآن، لدي دليل على أنك كنتِ تبيعين نفسك للحصول على المال في النادي. لن يطول الوقت قبل أن يتم طردك من المنزل!"


"أنتما -" كانت أميرة غاضبة لدرجة أنها تراجعت. كانت تعاني بشدة بعد ما مرت به، وثقل خيانة صديقتها وقسوة أختها غير الشقيقة كاد يقضي عليها.


"هيا يا هالة، لا نريد أن يرانا أحد مع هذه الحثالة، أليس كذلك؟" قالت وهي تمسك ذراع هالة، قادتها إيمي نحو السيارة الرياضية التي كانت قد أوقفتها على الرصيف.


بعد ثلاثة أيام، في منزل عائلة تاج، صاح فؤاد تاج بغضب: "هل ارتضيتِ بمرافقة رجل للحصول على المال فقط لأني لم أسمح لك بالذهاب للدراسة بالخارج؟ كيف يمكن أن يكون لي ابنة فاضحة تجلب لي العار مثلك؟"


"أبي، أنا لم أفعل -"


"لم تفعلي؟ ولكنكِ فعلتِ، يا أميرة! كيف انحرفتِ إلى هذه السبل الفاضحة؟ هل جعلناكِ تعانين من الجوع، أم حرمناكِ من شيء ما؟ لا يمكنني تصديق أنكِ كنتِ تعرضين نفسك للغرباء في نادٍ مشبوه! "آمل ألا تكوني قد جلبتِ أي مرض بشع لهذا المنزل. فمن يدري ما يمكن أن تكوني قد نقلتيه لي أو لابنتي، فأنا أخشى على صحتنا جميعا" استهزأت المرأة الجالسة بأبهة على الأريكة، متألقة بمجوهراتها وملابسها الفاخرة.


"أبي، أنا حقًا لم أفعل ذلك. أنا -" حاولت أميرة أن تدافع عن نفسها.


لكن فؤاد لم يكن مهتمًا بسماع المزيد منها. نظر إليها بنظرة مليئة بالغضب والازدراء قائلاً بصوت عالٍ: "لا زلتِ تكذبين، حسنا! اخرجي من هذا البيت فورا!" "اخرجي من هذا البيت الآن! لن أتحمل وجودك تحت سقف بيتي. لا يمكن لابنتي أن تكون معيبة وتجلب لنا الفضيحة. من الآن فصاعدًا، أنتِ لستِ بابنتي!"


في هذه الأثناء، على مدخل السلم، كانت إيمي تراقب هذا المشهد وهي متكئة على الدرابزين وذقنها مستندة على يدها. كل شيء كان يسير تمامًا كما خططت له. في غضون دقائق، أصبحت أميرة مهددة بالطرد من المنزل لتتجول الشوارع ككلب ضال بائس.


في غرفة المعيشة في الطابق السفلي، بقيت أميرة صامتة عندما رأت نظرة الغضب والخيبة على وجه والدها. ثم نهضت بهدوء من مقعدها وصعدت الدرج لتجمع أغراضها.


لم تكد أميرة تصل إلى الدرج العلوي حتى وجدت إيمي تحول دون تقدمها. وقفت إيمي بذراعيها متقاطعتين بكبرياء أمام صدرها، وهي تسخر قائلة: "اخرجي من هنا! لا تبقي هنا كالشوكة في الحلق. لن يكون لكِ مكان في هذا البيت بعد الآن!"


شدت أميرة قبضتيها وهي تحدق بغضب بسبب تعبيرات وجه إيمي السعيدة.


عندما رأت إيمي الكراهية والغضب في عيني أميرة، مالت نحوها قائلةً: "ماذا، هل تريدين صفعي أو شيء من هذا القبيل؟" ثم استدارت بخدها نحو الفتاة المحتدة وقالت بغرور: "تفضلي إذًا!"


دون تردد، وجهت أميرة يدها على وجه إيمي، موجهة صفعة قوية.


"آه!" أطلقت إيمي صرخة حادة. "لقد ضربتني! يا أمي، يا أبي—أميرة ضربتني!" صرخت وهي تهرول نزولاً على الدرج.


سرعان ما ضمت نعيمة لاشين ابنتها في أحضانها وصرخت في اتجاه الدرج: "كيف تجرأت على ضرب ابنتي، أميرة! ماذا تظنين نفسك فاعلة؟!"


نظر فؤاد إلى آثار الاحمرار على وجه إيمي، وشعر بخيبة أمل لم يسبق لها مثيل في حياته. متى أصبحت ابنتي الكبرى عصية ومتمردة إلى هذا الحد؟


"أبي، الصفعة تؤلمني..." بكت إيمي وهي تتوسد أحضان والدها، وهي تتنفس بعمق متظاهرة بأنها تعاني من ألم شديد.


"اخرجي من هنا، أميرة!" صرخ فؤاد نحو الدرج باتجاه أميرة.


بعد أن جمعت أغراضها، أمسكت أميرة بجواز سفرها ونزلت الدرج. تجمد قلبها عندما رأت كيف كان والدها يحتضن إيمي بحنان وكأنها كنز ثمين يخشى أن يفقده.


أدركت حينها أنها لا تملك مكانًا في قلب فؤاد الذي لم يهتم سوى بسماع رواية إيمي للأحداث بدلاً من سؤال أميرة عن مأساة الليلة الماضية.


منذ وفاة والدتها، قضت أميرة سنواتها في هذا المنزل كما الغرباء، بينما كان والدها يبني عائلة جديدة مع عشيقته وابنتها غير الشرعية.


لم تكن والدتها المسكينة على علم بخيانة زوجها لها حتى وفاتها.


لن أعود إلى هذا المكان مجددًا.


داخل المنزل، راقبت إيمي بنظرة ماكرة أميرة وهي تسحب حقيبتها باتجاه الباب الأمامي، ولمعت على شفتيها ابتسامة خبيثة وهي تفكر: أخيراً، تخلصت من هذا العبء الثقيل!


...


خمس سنوات مرت، وإذ بسماع طرقا على الباب الأمامي لشقة في إحدى المدن خارج البلاد.


كانت المرأة التي تعيش في الشقة مشغولة بالنظر في تصاميمها عندما انتبهت لطرق الباب. متفاجئة قليلاً، توجهت نحو الباب وفتحته بلا حماس. وعندما رأت رجلين غريبين يرتديان بدلا أنيقة، سألت: "عمن تبحثون؟"


"هل أنتِ الآنسة أميرة تاج؟" سأل أحد الرجلين بالإنجليزية. 


"أنا هي. ماذا تريدون؟" سألت أميرة. 


"تم إرسالنا للبحث عنك. والدتك، أمل شعبان، قد أنقذت حياة سيدنا الشاب في الماضي. والآن، السيدة الكبيرة التي نخدمها تود رؤيتك."


عقدت أميرة جبينها بتجهم عند سماع ذلك. "ومن تكون تلك السيدة الكبيرة التي تخدمونها؟"


"إنها السيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير"، أجاب الرجل الأول بأدب وتواضع.


لدى سماعها هذا الاسم، انكشف أمام أميرة اللغز. السيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير كانت العقل المدبر لمجموعة البشير، أحد أضخم وأكبر الشركات في البلاد. عائلتها تحمل قصة قديمة مرتبطة بأم أميرة، الضابطة الباسلة والصادقة أمل، التي بذلت روحها فداءً لإنقاذ نجل تلك السيدة، محافظةً بذلك على عراقة اسم البشير.


كان لدى أميرة اعتزاز عميق بكونها ابنة لضابطة مثل أمل.


"أنا آسفة، ولكن لا يمكنني مقابلتها"، قالت أميرة بثبات وحزم. كانت تشعر أن عائلة البشير تريد رد الجميل لوالدتها، لكنها لم تكن مهتمة بقبول هذه المجاملة بأي حال.


فجأة، انبعث صوت طفل يتساءل بفضول من داخل الشقة: "أمي، من هؤلاء الأشخاص؟"


"ليس أحداً مهماً"، ردت أميرة بسرعة. ثم التفتت إلى الرجلين عند الباب قائلة: "أعتذر، لكنني حقاً لا أرغب في استقبال زوار الآن."


وبذلك، أغلقت الباب بوجههم.


في تلك اللحظة، في ركن بعيد من البلاد، كان يجلس رجلا في ربوع فيلا سرية تختبئ وسط التلال الشاهقة. "هل عثرتم عليها؟" سأل بنبرة حازمة وملؤها الجدية.


"بلى، السيد أصلان. الفتاة التي قابلتها في النادي قبل خمسة أعوام، قد باعت ساعتك الثمينة في سوق السلع المستعملة."


بتعبير متجهم ونظرة حازمة، أمر الرجل الجالس على الأريكة بصوته العميق والمتسلط: "استمروا في البحث عنها. أريد معرفة كل شيء عنها."


"حاضر، يا سيدي!"



الفصل 2 رحيقها الذي لا يقاوم



كانت الغرفة تتوهج بنور دافئ ينبعث من الثريا الناعمة. كان الرجل الذي جلس بثقة على الأريكة يمتاز بملامح متناسقة خالية من أي عيوب، وجهه الوسيم كان كأنه لوحة فنية بديعة من السماء. يرتدي بدلة أنيقة مصممة بعناية فائقة تعكس قوته وهيبته. في تلك اللحظة، كانت عينا أصلان البشير تشعان ببرودة محسوسة، وكأنهما تعكسان صدى صوت جدته القوي والحازم الذي يرن في ذهنه.


"يا أصلان، عليك أن تتزوج من أميرة تاج. لن أقبل بغيرها كزوجة حفيد عائلة البشير."


في تلك الفترة، كان أصلان يفكر فقط في المرأة التي اغتصبها في تلك الليلة المظلمة منذ سنوات. في تلك الليلة المشؤومة، تم خداعه وتسميم مشروبه حتى أصبح في حالة سُكر شديدة، لدرجة أنه لم يتذكر سوى بكاء المرأة المستميت وتوسلها له بالرحمة.


بعدما انتهى كل شيء، أعطاها ساعته ووضعها في يدها، ثم فقد وعيه في ظلمة تلك الغرفة.


بعد مرور خمس سنوات، لا يزال يبحث عنها. كان ذلك قبل أسبوع فقط حين علم أنها قد باعت ساعته في سوق البضائع المستعملة. لكن الأخبار وصلت متأخرة جدًا، فقد أصرت جدته على أن يتزوج من امرأة أخرى.


في تلك اللحظة، رن هاتفه مرة أخرى. أجاب بحدة: "ماذا؟"


"السيد أصلان، لقد وجدنا الفتاة. اسمها هالة سمير، وهي من باعت الساعة بنفسها."


"أرسل لي عنوانها، وسأزورها"، أمر أصلان وفي عينيه بريق أمل. "لقد وصلت أخيرًا لمكان تلك الفتاة الغامضة من تلك الليلة! يجب أن أجدها وأعوضها عما فعلته."


في تلك الفترة العصيبة، كانت هالة تدير بمهارة متجرا للملابس النسائية الذي استلمت زمامه قبل أكثر من عام. واجهت المتجر صعوبات مالية بالغة، حيث كان الركود يخيم على المكان، مما جعلها تصارع للإيفاء بمصاريف الإيجار. في خضم هذه الأزمة، قررت هالة اتخاذ خطوة جريئة ببيع ساعتها القيمة. هذا القرار أتى بنتائج غير متوقعة حيث إن الساعة جلبت لها مبلغاً ضخماً وصل إلى خمسمائة ألف، مما فتح باب الأمل أمامها لتجاوز تلك الأزمة المالية.


تحولت قصة الساعة إلى فصل مثير في حياة هالة. الساعة، التي لم تكن ملكًا شخصيًا لها بالأصل، وجدت طريقها إليها بظروف غير متوقعة. 


قبل خمس سنوات، أُبلغت بأن هناك ساعة تم استردادها من غرفتها في النادي وطُلب منها استلامها من قسم الأشياء المفقودة، وهي في المقابل لم تتوانى عن المجيء وادعاء ملكيتها للساعة الرجالية الفاخرة دون أي تردد. 


هذا الادعاء أعطاها ملكية غير متوقعة لقطعة ثمينة، ظلت مخبأة في خزانتها دون أن تدرك قيمتها الحقيقية حتى أقدمت على بيعها في سوق السلع المستعملة الأسبوع الماضي. وقبل عرضها للبيع، لم تكن لديها أدنى فكرة عن القيمة الحقيقية للساعة، ولكن الصدمة كانت عظيمة عندما عُرض عليها خمسمائة ألف مقابلها.


وبينما كانت تنظر هالة إلى المبلغ في حسابها البنكي، انتابتها مشاعر السعادة والأمل، وهمست لنفسها: 'يبدو أنني سأعيش أيامًا مرفهة لفترة.'


وفي ذلك الحين، فُتح باب المحل، فنهضت لاستقبال الزبون قائلة: 'أهلًا بك في...'


لكن كلماتها تبخرت واختفت، وهي تحدق مشدوهة، لم تكمل جملتها.


دخل رجلا المحل، طويل القامة ومستقيم الهيئة. تميز بوسامة لا توصف، محملًا بنبل غير مصطنع.


ظلت هالة للحظات مذهولة، قبل أن تستجمع قواها وتتمتم بتردد: "هل تبحث عن أحد، سيدي؟"


كان السؤال معقولًا؛ فهي تدير محلًا نسائيًا، ولم يكن منطقيًا أن يكون هذا الرجل ذو البدلة الفاخرة هنا ليستعرض فساتين السيدات. واقفًا بطول يناهز الستة أقدام واثنين، كان حضوره يفرض نفسه بقوة.


"هالة سمير؟" تساءل أصلان بنظرات تتأملها بعمق، يتفحص وجهها بحثًا عن ملامح تلك المرأة منذ خمس سنوات.


"أجل، أنا هالة. وأنت..." لم تستطع هالة إتمام جملتها؛ فقد أسكتها النظرات العميقة والمحترقة من الرجل.


ردًا على سؤالها، أخرج الرجل من جيبه ساعة رجالية، ورجف صوته وهو يسأل: "هل كانت هذه الساعة بحوزتك طوال تلك السنوات؟"


رأت هالة الساعة وشعرت بغصة عميقة. بنبرة متلعثمة ومحملة بالذنب، أقرت: "نعم، الساعة... كانت لي."


"وهل أنتِ المرأة التي كانت في النادي قبل خمس سنوات؟ في الغرفة رقم 808؟" استرسل أصلان، مستغرقًا في التحديق بها، مفكرًا بدهشة: "تُرى، هل هي الفتاة نفسها من تلك الليلة؟"


" وهنا قد بدأت تتشكل عاصفة من الأفكار في ذهن هالة. الغرفة 808، منذ خمس سنوات... هل كان ذلك هو الحدث الذي خططت له أنا وإيمي للقضاء على أميرة؟' تساءلت، محاولة فهم السبب وراء استفسار هذا الرجل عن ذلك الماضي.


بدون تفكير مطول، أجابت بكل صدق: "بالطبع... " 


"أمسك بيد هالة برفق وضع فيها الساعة، قائلاً بنبرة حازمة، ولكنها تحمل لمسة من الندم: 'احتفظي بهذه الساعة من الآن فصاعدًا، ولا تفكري في بيعها مجددًا. سأعوضك عما حدث في تلك الليلة.' ثم أضاف بصوت أكثر جدية، وهو ينظر في عينيها مباشرةً: 'أنا أصلان البشير. تذكري اسمي، هل ستفعلين ذلك؟"


"رفعت هالة رأسها لتنظر إليه، والصدمة تكسو وجهها. أصلان البشير؟ هل هو ذاته وريث مجموعة البشير الرائدة؟ 'أ-أنت أصلان البشير؟' تلعثمت في السؤال، متأثرة لدرجة أنها شعرت أنها قد تنهار.


"تدخل الرجل الواقف بجانب أصلان في الحديث، ممدًا بطاقة الاسم نحو هالة وقال بنبرة رسمية: 'الآنسة هالة سمير، هذه بطاقة عمل سيدنا الشاب. يمكنك التواصل معه إذا احتجتِ لأي نوع من المساعدة.'"


أمسكت هالة بالبطاقة بيد مرتعشة، وعندما استقرت عيناها على الاسم المحفور ببريق ذهبي على الورقة الفاخرة، شعرت بقلبها يكاد يتسارع خارج صدرها. فهل يعقل أن الرجل الذي كان مع أميرة قبل خمس سنوات لم يكن مجرد مرافقا جلبناه لها، بل كان هذا الشخص الرائع، وريث ثروة عائلة البشير؟


ومع تبلور الحقيقة في ذهنها، مدت هالة يدها وأمسكت بذراع أصلان بقوة، ثم أجبرت نفسها مصطنعةً على ذرف الدموع وهي تنفجر في نوبة بكاء. 'عليك تحمل المسؤولية، أصلان. أتعلم مدى الألم والصدمة التي عانيت منها بعد تلك الليلة؟' وبذلك، أخفضت رأسها وبدأت تذرف دموع التماسيح، وهي تنتحب بشقاء، كأنها كانت الضحية قبل خمس سنوات.


في تلك اللحظة، كانت عينا هالة مثبتتان على هدف واحد: الانخراط في تمثيل دور أميرة وتبني مكانة الضحية من تلك الليلة التي تغير فيها القدر. كانت مصممة على جعل أصلان يتحمل المسؤولية، وذلك لاستخلاص أكبر قدر ممكن من المنافع من هذا الموقف. في نهاية المطاف، كانت تأمل في أن تنال الزواج من الرجل وأن تصبح السيدة البشير.


"بصوته العميق والخشن، تحدث الرجل بجدية، محملاً كلماته بالثقة والطمأنينة: 'لا تقلقي، أعدك بأني سأتحمل المسؤولية.'"


"الآنسة هالة سمير، لقد قمت باستئجار فيلا لك. يمكنك الانتقال في أي وقت، وسأتولى رعاية جميع احتياجاتك." أضاف مساعد أصلان، رعد عثمان، بنبرة تعاونية.


عيون هالة تلألأت فجأة. انتابها شعور بالبهجة العارمة، كادت أن تفقد وعيها. 'قريبًا سأمتلك ثروة وعالمًا ساحرًا!' فكرت بحماس.


"هناك بعض الأمور التي يجب أن أعتني بها، لذا سأغادر الآن." قال أصلان، وبعد أن رمق هالة بنظرة سريعة، انصرف.


بمجرد أن أُغلق الباب خلفه، أمسكت هالة بالساعة بإحكام. كانت مشاعرها تتقلب بشدة بسبب هذا التحول المفاجئ في الأحداث، حتى بدا وكأن الدموع ستنهمر من عينيها. 'سأكون ثرية! ثرية جدًا!' صرخت في داخلها وهي تحتفي بهذه النعمة غير المتوقعة. وفي خضم احتفالها، كان جزء منها يأمل بشدة ألا تكون أميرة على قيد الحياة لتظهر فجأة من جديد لتقضي على كل أحلامها.


في السيارة الفاخرة، جلس أصلان في المقعد الخلفي، عيناه مغمضتان. 'هل هالة هي فعلاً المرأة منذ خمس سنوات؟ لماذا تبدو مختلفة الآن؟ هل الزمن غيّرها؟' تساءل في صمت.


كانت أشعة الشمس البرتقالية من غروب الشمس تتسرب عبر نافذة السيارة، تُظهر ملامح الرجل شديدة الوسامة. كانت وسامته مذهلة، لدرجة أنه يبدو كتحفة فنية نادرة؛ ملامحه لا تُقارن.


كان الوريث الحقيقي لمجموعة البشير. لقد تسلم الزمام قبل خمس سنوات وأطلق الشركة إلى آفاق جديدة، بحيث تُوجت بالمركز الأول بين أبرز الشركات العالمية.


في تلك الليلة القدرية التي وقعت قبل خمس سنوات، مر أصلان بأول وأشد انتكاسة في حياته. أحد منافسيه كان قد دس له مادة مخدرة في مشروبه، على أمل أن يدفعه ذلك لإفساد سمعته بنفسه. نجا أصلان من فخ الموقف بالهرب إلى غرفة خاصة، لكن بالتزامن مع بلوغ تأثير المخدر ذروته، دخلت امرأة مجهولة الغرفة بشكل مفاجئ وأنقذته من ورطته.


منذ تلك اللحظة، بقيت ذكرى تجاوزه واعتدائه على براءة فتاة تثقل كاهل ضميره بشدة. هذا الفعل الذي لا يمكن محوه استمر في إلقاء ظلاله على أفكاره، ملوثًا مشاعره بشعور الذنب العميق.


كان يحمل قناعة راسخة بأن الفتاة كانت عفيفة حتى تلك الليلة المشؤومة. عندما استفاق من غفوته بعد الحادث، لاحظ في ضوء الغرفة الخافت آثار الدم على الأريكة، مما أكد شكوكه وزاد من حدة ندمه.


وهو يتذكر الفوضى التي خلفها في الغرفة الخاصة تلك الليلة، تبددت شكوكه حول هوية هالة والانطباع الذي كونه عنها. 'يجب أن أقف وجهًا لوجه مع ما اقترفته، وأتحمل مسؤولية أفعالي تجاهها.' كان هذا قراره الحاسم.


وفي هذه الأثناء، كانت أميرة في شقتها في بلد آخر كما قالت في الهاتف: "فهمت. أعطني ثلاثة أيام على الأكثر للعودة إلى البلاد والاستعداد للمنافسة."


"أمي، هل سنعود؟" جاء طفل صغير يتجول بجوارها. كان يرتدي قميصًا أزرق اللون كاروهات وشورت جينز. كانت ملامحه منحوتة بدقة، على الرغم من أنها كانت طفولية. لم يكن يبلغ من العمر سوى أربع سنوات تقريبًا، ولكن كان هناك سحرا وأناقةً لا يمكن إنكارهما في حركاته.


نظرت إليه أميرة وابتسمت بحنان، ثم أجابت برأسها: "هل ترغب في العودة معي؟"



الفصل 3 رفض عطاياهم



"بالطبع! سأذهب إلى أي مكان تذهبين إليه، يا أمي!" ابتسم الصغير، وعيناه الكبيرتان تشبهان العقيق المتلألئ وتلمعان كما الهلال.


لم تستطع أميرة أن تمنع نفسها من التأمل في جمال الطفل. في كل مرة تنظر في وجهه الصغير، تشعر بارتياح وامتنان، كما لو أنها مذهولة باستمرار من أنها استطاعت إنجاب طفل وسيم مثله.


"حسنًا، إذن، علينا أن نحزم أمتعتنا الآن. سنغادر إلى المطار غدًا بعد الظهر."


"حسنًا!" أعطى الصغير إشارة واحدة قاطعة، ثم هرول إلى غرفته ليحزم أمتعته للرحلة.


أنهت أميرة تنهيدتها. لقد كانت تعيش في الخارج منذ أن طردها والدها من المنزل قبل خمس سنوات. لم تكن ترغب كثيرًا في العودة إلى بلدها، حيث لم تجد مكانًا لنفسها أبدا فيه.


حافظت على سرها حتى عن والدها، عاجزة عن جمع الشجاعة لتكشف له عن وضع طفلها في الخارج. والآن، مع عودتها إلى بلدها، وهي تتطلع لإعادة بناء مسيرتها المهنية وتنشيط حياتها العملية، اتخذت قرارًا بمواجهة والدها العجوز. لأنه، على الرغم من كل شيء، يظل هو والدها.


بعد ثلاثة أيام، وفي مساء أحد الأيام داخل المطار الدولي، كانت أميرة تدفع عربة الأمتعة بخطوات واثقة، بينما كان ابنها يجلس أعلى حقيبة كبيرة على العربة، وهو ينظر حوله بدهشة. كل شيء في بلاد أميرة بدا يثير اهتمامه، وكانت عيناه اللامعتين قد تألقتا بفضول.


في هذه اللحظة، لم تكن أميرة قد خرجت بعد من قاعة الوصول حينما توجّه رجلان يرتديان بدلات رسمية إليها. قاما بتحية مهذبة ثم أخبراها، "الآنسة أميرة تاج، تم إرسالنا هنا من قبل السيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير، التي قامت بترتيب سيارة لك خارج باب المطار. إذا سمحتي -"


نظرت أميرة إليهما وأجابت بأدب شديد، "أنا ممتنة للسيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير على لطفها، لكن ليس لدي حاجة للانتقال بالسيارة. شكرًا لكم."


أشار الرجل الأكبر سنًا باحترام وقال، "السيدة الكبيرة ترغب فعلًا في لقاءك، الآنسة أميرة تاج."


عرفت أميرة أن السيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير لا تحمل أي ضغينة، ولكنها لم تكن لديها أي نية لقبول لطفها. بادرت بالقول بأدب شديد، "من فضلك، أبلغ السيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير أن واجب والدتي دائمًا كان أن تساعد الآخرين، وليس هناك حاجة لرد الجميل، على الأقل بالنسبة لي." بهذا، تحركت بعيدا عن الرجلين ودفعت عربتها نحو المخرج.


أخرج أحد الرجلين هاتفه وأبلغ بأدب، "السيد أصلان الشاب، رفضت الآنسة أميرة تاج عرضنا لاصطحابها."


في الوقت الحاضر، كانت ثلاث سيارات رولز رويس سوداء لامعة بنوافذ معتمة تمنع أي محاولة للتطلع إلى الداخل متوقفة بجوار مدخل المطار. كان هناك رجل جالس في المقعد الخلفي لسيارة رولز رويس في منتصف القافلة وكان يحدق في أبواب المطار، ورأى امرأة شابة تدفع عربتها من خلالها للتو عندما وضع هاتفه جانبًا.


كانت المرأة ترتدي قميصًا أبيض وجينز عادي. رافعة شعرها فوق رقبتها، تكشف عن وجه جميل ورقيق. كانت بشرتها بيضاء اللون، وكانت تتحرك بالعربة ببطء. بلا شك، كان وجودها مذهلا من بين الحشود.


في تلك اللحظة، لفت نظر أصلان شيئًا، أو بالأحرى، شخصًا - الصبي الذي قفز من عربة المرأة. بدا عمره حوالي أربعة أو خمس سنوات، وكان يرتدي سترة رمادية مع بنطلون رياضي، شعره الكثيف والناعم يتدلى على جبينه. قد يكون صغيرًا، لكن ملامحه كانت محفورة بدقة، مما جعله أكثر جاذبية.


في تلك اللحظة، انحنت أميرة وساعدت الصغير على ترتيب ملابسه. لم يكن هناك أي شك في النظرة اللطيفة والمتسامحة في عينيها.


من هو هذا الطفل؟ هل تزوجت أميرة؟ إذا كان الأمر كذلك، فلن يكون علي أن أتزوجها فقط لتحقيق رغبات جدتي. بهذا في الاعتبار، شاهد أصلان وهو يغادر، سيارة الأجرة التي ركبتها أميرة وطفلها معها. ولم يمض وقت طويل بعد ذلك حتى غادرت قافلته أيضًا.


لم يكن قد قطعوا مسافة بعيدة عندما رن هاتفه. نظر إلى هوية المتصل ورد عليه "مرحبًا، هالة."


"أصلان، متى ستأتي لرؤيتي؟ لقد اشتقت إليك." صوت هالة اللطيف يشكو على الخط الآخر.


"لقد كنت مشغولاً قليلاً في الآونة الأخيرة، ولكن سأراك عندما تتاح لي الفرصة"، أجاب بصوت جهوري وقوي.


"أتعدني؟" سألت هالة بنبرة مغرية.


"نعم"، أجاب بصبر مضطرب.


في ذات الوقت، بمنزل البشير، جلست سيدة عجوز ذات شعر فضي على الأريكة ترتشف الشاي الخاص بها، حينما استقبلت آخر الأخبار المفاجئة. ثم رفعت بصرها مصدومة وتساءلت، "ماذا؟ أميرة أم لطفل الآن؟ هل تزوجت فعلاً؟


"وفقًا لتحرياتنا، لم يظهر أي أثر لوالد الطفل، مما يدل على أن الطفل وُلد خارج نطاق الزواج، أي أنه ابن غير شرعي."


"لطالما كانت مسكينة، تلك الفتاة. أن تكون وحيدة وأمًا في هذه السن المبكرة..." هنادي البشير، المشهورة بالسيدة الكريمة كبيرة عائلة البشير، أطلقت زفيرا عميقا محملا بالحسرة. فهي الآن تشعر بالذنب الكبير عندما تذكرت شجاعة الشرطية التي توفيت بعد تعرضها لثمانية عشر طعنة قاتلة من الخائن الذي هدد بإيذاء أصلان منذ سنوات بعيدة.


بينما كانت تغمرها مشاعر الأسى، ظهر في غرفة المعيشة رجلا أنيقا يمتاز بطول قامته. إنه أصلان الذي عاد للتو من رحلته. 'اقترب، يا أصلان'، نادت هنادي حفيدها بصوت متأثر.


"جلس أصلان إلى جانبها دون تأخير وأردف قائلًا: 'جدتي، لقد رفضت أميرة كل محاولاتنا مرارًا، وأظن أنّي—'"



"اكتشفت مؤخرًا أن السيدة أميرة تاج كانت منعزلة وقد أنجبت طفلًا من دون زواج. عليك العناية بها وبابنها، أصلان. إنها مسؤوليتك."


ظهرت على أصلان علامات الدهشة والصمت إزاء اقتراحها. ظن أنها ستخفف من موقفها وتسمح بانتهاء النقاش، لكنها، على العكس، أظهرت تصميمًا لا يلين حتى النهاية.

لقراءه جميع القصص انضم هنا 

تعليقات