المجد للقصص والحكايات
رواية وقعت في حبه مجددآ
الفصل الرابع
إرتشفت روز القليل من فنجان القهوة، ثم إبتسمت لسارة، التي تجلس أمامها.
تبادلتا أطراف الحديث لساعات. تحدثتا عن روعة مدينة لوس أنجلوس، و عن تجربة الأداء، و عن إيان الذي إلتقت به في قاعة الإنتظار، عن راشيل، ثم عن آدم. ثم تحدثتا كذلك عن حياة سارة، عن عملها كممرضة، عن خطيبها السابق، و عن عائلتها التي تقطن بفلوريدا، ...
- من الممتع الحديث معك.
دنت منها سارة قليلا ثم همست.
- مُرحب بك في أي وقت.
- أظنني وجدت مكانا أهرب إليه إذا ما أغضبني آدم.
- كما قلت، مُرحب بك دائما!
تعانقت الفتاتان، ثم ودعتا بعضهما البعض، لتغادر روز بعدها شقة سارة، إلى شقة راشيل.
و ما أن دخلت حتى سمعت صوت آدم، ثم صوت فتاة غاضبة تقاطعه. وقفت عند الباب مستغربة و هي تطل برأسها من بعيد و تحاول أن تطّلع على الغرفة حيث يصدر الصوت. و ما هي سوى ثوان، حتى خرجت فتاة شقراء ذات شعر طويل، طويلة و رشيقة، فاتنة الملامح تبدوا كعارضة أزياء، من غرفة النوم.
كانت لا تزال تتحدث بصوت مرتفع مستاء و هي تقول،
- لا يمكنك أن تدير ظهرك هكذا. أدرك أنك لا تحمل أية مشاعر تجاهي، لكنني أحمل مشاعر تجاهك! أ لا تحترم ذلك؟
وقفت مكانها عندما إنتبهت لوجود روز. خرج آدم من الغرفة، فوجد الشقراء واقفة تحدق بروز، و إبتسامة ساخرة تعلو ثغرها. تساءلت في إنفعال، موجهة سؤالها لآدم.
- أ هذه هي؟ أ هذه هي الفتاة التي لاتزال...
قاطعها بنفس نبرتها المندفعة.
- كفى! كفى شجارا!
رفع كفّه إلى فمه و أطبق جفنيه، ثم زفر ليريح صدره.
- أ يمكنك المغادرة الآن؟ سأتصل بك لاحقا.
رمته بنظرة سخط دون أن تقول شيئا. إلتقطت حقيبة يدها التي كانت على الأريكة، ثم تقدمت نحو روز، و دون سابق إنذار، رفعت الشقراء يمناها و صفعت روز على خدّها، ثم غادرت الشقة.
رفعت روز يدها إلى خدها، و الصدمة مكتوبة بوضوح على صفحة وجهها، غير مصدقة لما حدث. أغلقت جفنيها بقوة لعلها تهدئ أعصابها، لكن لم ينجح الأمر.
كان آدم متصنما أمامها، متفاجأ، يده لا تزال على فمه، لا يدرك ماذا يقول أو يفعل. زفرت روز في غضب معلنة عن عدم قدرتها على السيطرة نفسها أكثر من ذلك، ثم أسرعت إلى الباب. هرول إليها آدم.
- روز، مهلا.
أمسك بذراعها و سحبها إليه، لكنها أبعدت يديه عنها، ثم صاحت بعصبية.
- إبتعد عني!
- روز. إهدئي!
حاول منعها من الخروج مجددا، لكنها دفعته بعيدا عنها مرة أخرى. قال في إنزعاج من ردّة فعلها و هي يحكم قبضتيه على ذراعيها.
- لما أنتِ عنيدة هكذا كالأطفال؟ أ يمكنك أن تهدئي قليلا؟
ردّت على كلامه وهي تضحك ضحكة شبه هستيرية.
- أهدأ؟! أ تمازحني؟ لقد صفعتني تلك البشرية قبل قليل و بدون سبب! كيف تطلب مني أن أهدأ؟
وقفت في صمت لمدة وهي تحدق به.
- من تكون؟ حبيبتك؟
- ليست حبيبتي.
- جيد! لأنني سأحطم أنفها و لن أتردد.
دفعته بعيدا عنها، ثم حاولت فتح الباب مجددا. سحبها إليه، و هذه المرة إلى صدره، ثم حضنها. حاولت دفعه و الخلاص من ذراعيه، لكنه ضمها إليه أكثر، فهدأت، و وقفت ساكنة لثوان. دفنت وجهها في صدره و سمحت لدموعها بأن تسيل أخيرا. همس بنبرة لطيفة و هو يمسح على رأسها.
- أنا آسف. أعتذر عن ما حدث.
لكنها لا تجيب، لاتزال واقفة مكانها، ساكتة، تخفي ملامحها كي لا ينتبه لدموعها.
- روز، أ تبكين؟
تراجع بحثا عن جواب على سؤاله، لكنها سحبته إليها بلطف وهي تعيد جسدها بين ذراعيه الحنونتين، لتضمه إليها بدورها هذه المرة. رسمت شفتاه إبتسامة صغيرة لكن حزينة، ثم أغلق عينيه ليشعر بطمأنينة لم يشعر بها منذ مدّة...
تراجعت عن حضنه بعد مدّة من العناق، ثم مسحت خديها في صمت.
- أنا حقا أعتذر عن ما حدث. آسف حقاّ.
قالت بعد سكوت، و بصوت هادئ، دون أن ترفع بصرها إليه.
- لو كنت تشعر بالأسف حقا، لتركتني أصفعها بدوري.
- تصفعينها؟ لو تركتك تخرجين من هذا الباب ما كنت ستصفعينها، كنت ستحطمين عظامها!
ضحكت و هي لا تزال تمسح آثار الدموع على وجهها، فضحك بدوره ثم رتب خصلات شعرها بأصابعه.
- أنا حقا أعتذر مجددا.. من قلبي.
- لا عليك. ليس خطأك.
- مع ذلك..
قاطعته.
- لننسى.. فلننسى الأمر.
أومأ لها بعد أن أطال النظر إليها، فهزت رأسها هزّة سريعة ثم كسرت إتصال عيونهما عندما إستدارت و أشارت إلى الغرفة.
- سأذهب.. لأغير ملابسي.
أومأ ثم أفسح لها الطريق.
دخلت الغرفة و أغلقت الباب خلفها. زفرت زفرة طويلة و كأنها تحاول إخراج كل ما إستنشقته من هواء إلى صدرها قبل قليل، ثم سمحت أخيرا لملامحها المحرجة بالظهور. همست لنفسها موبخةً، و هي تسير نحو الرفوف حيث رتبت ملابسها.
- يال من طفلة! أبكي بسهولة و أغضب بسهولة. لماذا بكيت أمامه؟ لماذا؟
خلعت ثيابها، و إرتدت كنزة و سروالا مريحين، ثم شرعت تطوي ما خلعته من ملابس. في تلك اللحظة شعرت بألم طفيف على شفتها السفلى، فمدّت يدها إليها، و إلتفتت إلى المرآة لتلاحظ جرحا صغيرا. تأففت وهي تتفقد شفتها، ثم تمتمت في إنزعاج.
- لابد و أن شفتي إحتكت بأسناني عندما صفعتني تلك ال..!
عادت إلى طيّ ثيابها، و إنتهت من ترتيبها خلال بضع دقائق. و قبل أن تخرج، وقفت عند باب الخزانة الذي تركه آدم مفتوحا، لتغلقه.
- كعادته! يترك كل الأبواب مفتوحة. في المطبخ.. الخزائن.. حتى الفرن لا يغلقه بعد أن ينتهي منه! يستحق توبيخا.
مدت يدها إلى المقبض، لكنها ترددت في إغلاقه عندما لمحت بين ملابسه صندوقا مفتوحا، بداخله علبة صغيرة سوداء كعلبة مجوهرات، و مجموعة رسائل. إلتقطت إحدى الرسائل، فأخذ قلبها يخفق و هي تتذكر يوم كتبت هذه الرسالة لآدم. تذكرت تبادلهما لرّسائل الورقية بدلا من الرسائل الإلكترونية. و تذكرت كم بدى لها الأمر رومانسيا، محمسا و مثيرا للإهتمام.
أعادت الرسالة إلى الصندوق، ثم أخرجت العلبة السوداء. فتحتها فوجدت خاتما بسيط التصميم و ظريف الشكل. تفحصته، ثم وضعته حول إصبعها.
- يناسبني!
وقفت تحدق بالخاتم في يدها لمدة في إستغراب، وهي تفكر في أمره.
- مستحيل! إنها.. مجرد مصادفة ليس إلا.
أسرعت في خلع الخاتم، أعادته إلى العلبة، ثم أعادت العلبة إلى الصندوق بين الرسائل. عندها إنتبهت إلى إحدى الأوراق الغير المغلفة. أخرجتها رغبة في قراءتها، ظنا منها أنها إحدى رسائلها لآدم، لتتفاجئ بخط آدم.
كان التاريخ يشير إلى أنه كتبها بعد عدّة أشهر من فراقهما. كانت رسالة طويلة، لكن غير مكتملة، مترددة، تعكس توترا و إرتباكا.
***
"عزيزتي روز،
لم أتلقى منك ردا حتى الآن، و أتمنى أن تكوني بخير. أرجوا أن تكوني قد قرأتي الرسائل التي أرسلتها لك، و أتمنى أن ترسلي لي ردّا قريبا. أدرك أنك غاضبة و لا رغبة لك في سماع أي شرح مني، لكن أتمنى لو تمنحيني فرصة. ما حدث يومها، لم يكن عن قصد..."
***
قاطعها دقّ على الباب، فأعادت الرسالة إلى مكانها بسرعة.
- مهلا لحظة.
أقفلت الخزانة، ثم وقفت عند بابها لوهلة تفكر في بقية الرسالة. كانت ترغب في معرفة بقية ما كتبه لها، دون أن يرسله إليها.
هرعت إلى الباب، فتحته، فوجدته يقف أمامها و إبتسامته الصغيرة تلاشت عندما وقعت عيناه على جرح شفتها السفلى.
- شفتك..
- لا عليك. سأعتني بالأمر لاحقا.
خرجت من الغرفة، متجهة نحو المطبخ، فلحق بها.
- تشعرين بالجوع؟
أومأت ثم فتحت الثلاجة.
- سأعد وجبة خفيفة.
- لاعليك، لقد أعددت الغراتان بالخضار و الجبن، لايزال في الفرن. إذهبي الآن و إعتني بجرحك.
إستدارت إليه.
- أين تضع راشيل المعقمات و الأدوية؟
- مهلا لحظة.
فتح إحدى الخزائن بالمطبخ، ثم أخرج منها معقما و كيس القطن و ضمادات. تقدمت نحوه، أخذت المعقم من يده و بعض القطن، ثم بللت القطن قليلا، فأخذه آدم من بين أصابعها.
- دعيني أساعدك.
- لا علي..
قاطعها عندما مد يسراه إلى خلف عنقها ليثبت رأسها بلطف، ثم مسح على جرحها في حذر. أطبقت جفنيها بقوة و في ألم لبعض الوقت، إلى أن إنتهى من تعقيم شفتها.
فتحت عينيها فتعانقت نظراتهما لبعض الوقت.
- أنتِ بخير؟
أجابت بنفس هدوئه وهي تتأمل عينيه.
- أ تمازحني؟ إنه مجرد جرح طفيف لايكاد يظهر حتى!
إفتر ثغره عن ضحكة مكتومة، فبادلته بمثلها. و هما هائمان بعيني بعضهما البعض،تقلصت ضحكتهما شيئا فشيئا و غدت إبتسامة، ثم تلاشت تدريجيا. قالت روز في نوع من الشرود.
- أظنني.. أشمّ رائحة شيء ما يحترق.
ردد بنفس الشرود، و هو لايزال تائها في بريق بؤبؤتيها الرماديتان.
- يحترق.
إتسعت عيناه فجأة لحظة أدرك معنى الكلمات التي تبادلاها، فأسرع إلى الفرن، و أخرج الطبق.
- إحترق!
عضّت روز على شفتها لتمنع نفسها من الضحك، لكنها لم تستطع. وضع آدم الطبق على المائدة ثم تفقده.
- ليس سيئا! لم يحرق بالكامل.