أخر الاخبار

رواية تزوجت ساديا الفصل الثالث

 


المجد للقصص والحكايات رواية تزوجت ساديا الفصل الثالث 

هشام
لم أكن أسمح لتلك الساقطة أنتنجب وغدا يشاركني بها ، هي خادمتي أنا فقط ، لن تدير لي ظهرها كما فعلت أمي .
أمي الساقطة التي لم تتحمل الحياة دون رجل ، فكانت بالنهار الأرملة المكلومة التي تتشح بالسواد ، وبالليل غانية ترتدي رداء نوم أسود وتفتح ساقيها للرجال .
كانت تعتقد أنني طفلا صغيرا لا أدرك ما تفعله ، لكنني رأيت كل شئ. كانت تغلق كل أضواء الشقة وتكتفي بضوء أحمر ضعيف بجوار الفراش وكنت أسمع صوت أنينها المكتوم يعلوه صوت الوغد الذي ينام معها وهو يسبها بأقذع الألفاظ .
لم يكن رجلا واحدا ، كان هناك الكثير منهم مراهقين أكبر مني بعام أو إثنين .
كنت بالخامسة عشر حينها وقد رأتني بإحدي المرات وأن أتجسس عليها ، إصطدمت عيني بعينها ولم ترفعها هي بل إستمرت بالنظر وبالتأوه حتي تواريت أنا عن نظرها ، بعدها حبستني بغرفتي ، ضربتني وأخبرتني أنني ولد سئ وأجبرتني علي ترديد ذلك طوال الوقت ، قالت أنني إن تحدثت لن يصدقني أحد وبدأت بتهديدي ، ثلاث أيام وأنا حبيس غرفتي بالظلام تمرر لي طعاما من أسفل الباب المغلق .
ولولا الفجوات التي تسرب الضوء بنافذة حجرتي ما كنت ميزت الليل من النهار .
أقسمت أن أجعلها تندم علي كل ما فعلته بي . ونفذت قسمي .

نظرت حولي لزملائي بالشركة وأنا أعلم أن كل واحد منهم يرغب بطعني بظهري تماما كما فعلت تلك العاهرة عندما سنحت لها الفرصة .
الكل متأهب للتغيير الجديد ، فلقد تم شراء شركتنا من قبل مستثمر غامض لم يعلن عن هويته بعد ، الكل الآن يرتب أوراقه وينظف قذارته ويستعد لتملق الرئيس الجديد وتقبيل مؤخرته .
رحل وغد وأتي الآخر لكن عليَ أنا أن أبقي .
وسأبذل كل جهدي كي أبقي ، لكن بموقع أفضل وأعلي . ومن يدري فقد أزيح الوغد الجديد وأحتل مقعده يوما ما .

***

الشاعر ذو اللثغة

عندما أخبرني هشام أننا سنتناول عشائنا بالخارج نظرت إليه مندهشة . فلم يفعل ذلك أبدا من قبل .
نظر لي مهددا
" سنحضر حفلة أعدت لإستقبال رئيسي الجديد ، إحسني التصرف وكوني مرحة كي أسمح لك بالخروج مجددا ."
وعندما أخبرني أنه إشتري لي فستانا جديدا كاد قلبي أن يقف
هل سيجعل إذلالي علنيا أمام الناس أيضا ؟
نظرت للفستان الذي أحضره مندهشة لأنه يخالف ذوقه الرث .
فلقد كان أسودا موشي بزهور زهبية اللون عند الصدر .
إرتديته لأكتشف أنه أكثر روعة.
رفعت شعري النحاسي علي قمت رأسي وقد سقطت بعض الخصلات علي جانبي وجهي .
وضعت مكياجا بسيطا يكاد لا يري .
وتدلت سلسلة ذهبية علي عنقي منحها لي أبي بعيد ميلادي تماثل لون خاتم الزفاف بيدي اليسري الذي أمقته .
نظر لي نظرة تقييمية وهز رأسه موافقا
" تماما كما أردت "
زادت حيرتي فأنا أعلم أن لديه ذوقا شاذا وأنه لم يفكر يوما بشراء ما يناسبني بل كان يشتري ما يناسب رغباته .
عندما إقترب مني تحكمت بأعصابي كي لا أخطو بعيدا ، لكنه قد
وضع بيدي زجاجة عطر قائلا
" ضعي هذا اليوم فسيحقق الغرض سريعا "
لم أفهم إلام يرمي لكنني أخذت الزجاجة بحذر ووضعت عدة قطرات علي رقبتي وساعدي ثم تناولت حقيبتي وسرت خلفه .
أمام المصعد تقابلت مع جارتي التي نظرت لي مندهشة فهززت كتفاي لأخبرها أن ما باليد حيلة وتنفست الصعداء لأنه لم يلحظ ما فعلت وإلا كانت ستعد الليلة من أسوأ الليالي التي مررت بها .

عندما وصلنا لمكان الحفل تركني وإندمج وسط الحشد . لم يكلف نفسه عناء تقديمي لأحد بل إكتفي برميي بنظرة من حين لآخر ليتأكد من بقائي بنفس المقعد الذي إحتللته بالزاوية .
مر كثير من الوقت وأنا ألوذ بالصمت فقد إعتدت علي قضاء الساعات دون أن أنطق بكلمة .
أصبحت غير واثقة بنفسي وأخشي أن أقوم بحركة خرقاء تلفت الأنظار إليَ خاصة أنني إبتعدت عن مخالطة الناس منذ سنتين .
راقبت هشام وسط زملائه وكان آدميا أكثر .
وضع علي جسده الحقير رداء البشر وإختلط بهم لكن ستظل رائحة العفن تقطن المكان حوله .
كنت أدرك العيون المتسائلة عني وعن سبب تركي وحيدة لكني لم أكترث بكل هذا بل شعرت لأول مرة منذ زمن أنني أنعم بالحرية حتي وإن كانت لساعات قليلة ولسبب مجهول .
تذكرت الحفل الذي قابلت به هشام
ما أشبه اليوم بالبارحة .
أشحت بوجهي بعيدا عنه لكنني إصطدمت بعينين فولاذيتين قد أسرتاني .
صاحبهما رجلا طويلا أسمر البشرة لم تستطع النظارة الطبية ذات الإطار الأسود التي يرتديها أن تحجب بريق عينيه .
كان يحاول أن يسترد أنفاسه فأجبرت نفسي عن إبعاد نظري عنه فلست بحاجة لسبب آخر كي أثير غضب هشام لكنني سرعان ما أدركت أنه قد لاحظ وأتي صوبي فخفق قلبي وأوشكت علي فقدان الوعي .

" أري أنك قد أثرت إهتمام رئيسي "
قلت مرتبكة
" لم أقصد هذا ، أقسم لك "
همس غاضبا
" أريدك أن تكوني لطيفة معه ، توقفي عن العبوس ولاتتصرفي كعجوز شمطاء ، إصطاديه بنفس الطريقة التي فعلتها معي أم أنك فقدت سحرك؟
مارسي الدلال عليه كي ينجح مخططي وإلا سأريك وجها أكثر بشاعة مما رأيته بالعامين الماضيين "
إستمعت إليه مصدومة من أوامره المقززة .
وراقبته وهو يمر بجوار رئيسه ويومئ ليحيه .
لقد صبرت علي إيذائه لي وإستعباده لجسدي لكن أن يطلب مني تسلية رئيسه هذا يعني أنني إن وافقت سأتحول إلي ساقطة بالفعل .
إقترب الرجل مني قائلا
" أري أن الحفل يضجرك "
رفعت رأسي وعينيَ تشع نارا لأخبره ماذا يفعل بحفلته لكنني لمحت هشام يقف بإحدي الزوايا يراقب ما يحدث فتحكمت بأعصابي
" لست من هواة الحفلات "
نظر لي نظرة طويلة ثم قال بلسان به لثغة رائعة بحرف الراء

" عيناك مقبرة الضغينة
عيناك مثل باريس أجمل مدينة
ولتعرفي
عيناك شمس
وإن رمشت فنورها لا ينطفي "

أثلجت كلماته قلبي فهدأ غضبي وسألته
" لمن هذه الكلمات ؟"
" لك"
هززت رأسي قائلة
" من كتبها ؟ "
" أحمد الشرقاوي "
" لا أعرفه "
إبتسم
" لكنه سيكون سعيدا بمعرفتك ، مرحبا بك ، أنا أحمد الشرقاوي "
إبتسمت
فإحتل المقعد بجواري
" أنت نارية الطباع "
"وأنت متطفل "
" لا ، أنا أقدر الجمال "
" إذاٍ أخبرت كل النساء الجميلات بالحفل قصائد مماثلة؟ "
" أنا لم أكتب شعرا منذ الجامعة ، لقد ألهمتني عيناك "
نظرت له غير مصدقة فقال لي
" أنا رجل أهتم بالمال وإدارة الشركات ، لا أحد رأي الشاعر غيرك أنت "
" شكرا علي هذا الإستثناء "
" أنت قاسية "
" آسفة فلا أجيد التمثيل ."
أجفله ردي .
لكنني رأيت هشام يقترب فرسمت إبتسامة جوفاء علي وجهي ، توقف بجواري وأومأ له مديره ردا لتحيته . فإقترب وطبع قبلة علي وجنتي مما جعلني أغمض عيني إمتعاضا كطفل شرب دوائا مرا رغما عنه تجنبا للألم لاحظ مديره إشمئزازي
" آسف حبيبتي لتركك وحيدة لكنني سعيد أن السيد أحمد قد أبعد عنك المتطفلين ، سيد أحمد هذه مريم زوجتي وأنا هشام سعيد المدير المالي بشركتك "
صمت وأنا ألاحظ غصب مديره المكبوت الذي تحول إلي سخرية
" سرني الحديث معك يا هشام لكنني مضطر للإختلاط مع ضيوفي "
أمسك يدي المرتجفة وطبع قبلة عليها وهو يرمقني بنظرة غريبة سرعان ما تلاشت عندما نظر لهشام .
كنت علي وشك أن أبكي عندما إلتصق هشام بي وهمس بأذني
" فيما كنتما تتحدثان ؟"
" ليس بشيئ خاص ، فقط عن أجواء الحفل "
" سأجد فرصة أخري ليكون أكثرا قربا منك "
التفت إليه غاضبة
" هشام ، ..."
" إخرسي ، سيبدأ العشاء بعد قليل وعلينا أن نظهر بمظهر جيد "
تحملت لمسات يده علي ذراعي بصعوبة وهو يقودني لإحدي الطاولات حيث أعد لي طبقا فتمتمت شاكرة ودفنت وجهي بطبقي رغم أن معدتي قد إنقبضت كبالون نفذ هوائه رافضة رائحة الطعام . رفعت وجهي لأجد عيون أحمد تحدق بي .

***

كنت أتحدث مع أحد المديرين لدي لكن تركيزي كله كان منصبا علي تلك المرأة المحيرة ، فرغم جمالها وجاذبيتها إلا أن حولها هالة من الغموض . فهي تجلس بإحدي الزوايا وعلي وجهها كلمة لا تلمسني ، تراقب الناس بإمتعاض كما نراقب نحن عالم الحيوان مضطرين ببعض الأوقات . لم يجرؤ أحد أن يخترق هالتها أو يقترب منها وكأنها شيئ مقدس يخشون غضبه أو إزعاجه .
أسرتني عينيها العسليتين الحزينتين بجاذبيتهما التي تفوق الجاذبية الأرضية
عينيها أكوان أشعر أنني قضيت بهما حيوات سابقة .
نظرت لهما طويلا ، شعرت أن جفونها كانت لي بيتا منذ زمن وأنني تسلقت أهدابها من قبل .
شعرت بالقرب منها كمغترب آن له أوان العودة للوطن .
رغم برودها الظاهر إلي أن عينيها ترسل نظرات نارية أذابت جليدي وأحرقت قلبي .
ورغم أنها تدعي أن علاقتها بزوجها طبيعية إلا أن ردات فعلها تجاه لمساته تكشف كذبها الغير متقن .
حاولت نهر نفسي علي إحساسي الغريب الطائش فهي إمرأة متزوجة .
كما أن زوجها مختلس فاسد فقد إكتشفت ألاعيبه هو وغيره والتي أدت إلي خسارة صاحب الشركة السابق .
أعدت النظر إليها لأجدها وحيدة بمقعدها المنزوي فبحثت بعيني عن زوجها فوجدته يتحدث مع إحدي العاملات بالشركة تدلل عليه ويستجيب لها .
إلتقت عينانا من جديد فأدركت أنها فهمت رسالتي لكنها هزت كتفيها لامبالية وكأنها تخبرني أن بإمكانه أن يفعل ما يريد فالأمر كله لا يعنيها .
كنت غاضبا أردتها أن تثور أو تعلن عن وجودها للجميع لتوضح لهم أنها أكثر جمالا من النساء اللاتي يلتففن حوله .
لكنها ظلت هادئة تراقب السيرك بإمتعاض .
أبعدت عينيَ عنها رغما عني وحاولت أن أقنع نفسي أنها إمرأة متزوجة وأنني لا أرغب بالتورط بالأمر حتي وإن كانا علي خلاف .
لكن عندما نظرت لعينين هشام أدركت جيدا ما يدور برأس هذا اللعين .
إن كان رجلا حقا عليه أن يأتي إليَ ليفقأ عيني ويصرخ عليَ قائلا أنه لن يسمح لي بالإقتراب من زوجته أو النظر إليها مهما كانت مكانتي فهذا ما كنت سأفعله لو كانت زوجتي ، لكن المغفل لم يفعل شيئ ليمنعني بل أومأ لي برأسه وكأنه يعطيني الإذن لأفعل ما أريده .
تبا له وتبا لها أيضا لأنها سمحت لنفسها أن تكون دمية بيديه .

***

المزرعة

عندما شارف الحفل علي الإنتهاء إقترب مني هشام وهمس
" علينا أن نغادر الآن ، وعلي مديري أن يتلقي وداعا حارا يجبره علي تقديم دعوة أخري قريبا ."
همست معترضة فضغط علي يدي بقسوة
" نفذي أوامري دون إعتراض وإلا سأتركك اليوم جثة هامدة تماما كطفلك ، هل فهمت ما أعنيه ؟
هززت رأسي وسيل الذكريات يؤلمني ودماء طفلي تسيل مجددا أمام عيني ، كنت واثقة أنه قادر علي تنفيذ تهديده .
من لا يخاف الله لن يردعه أي شيئ آخر .
عندما توجهنا لرئيسه سلم عليه لكنه قطب حاجبيه عندما لاحظ هيمنة هشام فقد ضغط علي يديه بشدة وجعل يده هي العليا .
" شكرا لدعوتك لنا ، سأتأكد من وجود السيارة أمام الباب
يا حبيبتي "
تركني وإبتعد فإقترب مني رئيسه ونظر لدموعي التي تهدد بالنزول ونظرة الرعب الكامنة بهما فأطبق بيديه علي كفي وهمس
" لا أعلم ماذا يفعل بك هذا اللعين لكنني أدرك أنه يراقبنا الآن ، لذا دعينا نريه ما يريد مشاهدته .
أبعد خصلة من شعري خلف أذني وأمسك ذقني قائلا
" لا تجزعي فأنا لن أؤذيك "
إرتجفت فشعر بي لذا همس
" أراك قريبا "
ثم أفلتني فركضت أبكي هاربة .
شعرت وكأنني قفزت من المقلاة إلي النار .
عندما دخلت السيارة نظر لي هشام نظرة منتصرة ثم أوصلني للشقة وخرج موصدا الباب مجددا .
بعد خروجه إنفجرت باكية وأنا أتسائل ماذا سيحدث لي بالأيام القادمة .
أحمد الشرقاوي هذا يبدو أذكي مما يعتقد هشام ، فهو يدرك أنه يتلاعب به من خلالي ويحاول تقديمي له علي طبق مقابل أن يحصل علي ترقيته اللعينة ويخفي قذارته .

الفصل الرابع

تعليقات