رواية تزوجت ساديا الفصل السابع
اليوم موعد وصول حسن ، طائرته قادمة الساعة السادسة مساءا ، أحمد أخبرني أننا سنذهب لإستقباله معا لكنه غائبا منذ الصباح . لا أعلم أين هو ولا أحدا آخر يعرف ، بدأت أشعر بالقلق ، إتصلت به علي هاتفه لكنني سمعت رنينه بالمكتب يبدو أنه قد تركه .
بالساعة الثالثة وصلني طرد كبير
فتحته لأجد فستانا ذهبيا رائع الجمال وصورة فوتوغرافية لفتاة تشبهني وترتدي نسخة عن نفس الفستان وعلي ظهر الصورة كتب
" كوني مثلها من فضلك ، فسأقضي الوقت في البحث عن الإختلافات بينكما "
لم أستطع أن ألتقط مزحته لكنني سحبت الفستان من الصندوق لأجد أسفله حذائا وعلبة صغيرة تضم مستحضرات تجميل وعطر .
أحمد كان يحاول ألا يحدثني بصيغة الأمر حتي لا أشعر أنه من الواجب عليَ أن أنفذ ، وإن إضطر لذلك فقد كان يلي طلبه بحملة " من قضلك" ، أحب أحمد كثيرا لمراعاته مشاعري لذا ورغم أنني لم أفهم المغزي من طلبه فقد نفذته بثقة وراحة ورغبة داخليه لفعل ذلك .
دخلت حمام مكتبي وإرتديت الفستان وجمعت شعري كما وضحت الصورة
وبدأت بوضع زينتي .
عندما أوشكت علي الإنتهاء سمعت صوت جلبة بالخارج .
وضعت العطر وخرجت .
كان أحمدا يقف أمامي مرتديا حلته السوداء ، حليق الذقن . يخفي شيئا ما خلف ظهره .
تأملني قليلا
ثم تقدم
ووضع إكليلا صغيرا من الزهور علي رأسي قائلا
" هذا هو الفارق الوحيد بينك وبين الفتاة التي تخيلتها ،
أنك أنت أميرتي "
مد لي يده فوضعت يدي بها ثم خرجنا من المكتب لأكتشف الرواق الذي زينته الزهور والإضاءة
ووقف به كل موظفين الشركة
إخترق الصفوف صديق، أفسحوا له مجالا ليخرج ثم وقف بالزاوية علي اليمين لأكتشف أنه يخفي خلفه حسن
" حسن "
لم أعرف من منا ذهب للآخر ، كل ما أعرفه أنني سكنت ذراعيه
ربت علي ظهري
" صغيرتي "
ضغط أحمد علي أسنانه قائلا
" هذا يكفي يا حسن ، إرفع يدك عن زوجتي "
ضحك حسن وأبعدني قائلا
" لن تكون لك إلا بموافقتي "
بالدقائق التالية وجدت نفسي أجلس علي مقعد مقابل لهم أراقبهم وهم ينهون إجراءت عقد زواجي .
لثوان هاجمتني ذكريات سيئة إلي أن أخرجني منها أحمد بقبلة علي رأسي وهمس بأذني
هاتي الحبال وقيدينا وكتفي
كي نقترب
كي نحتضن
كي تعرفي
إن لست أنت
فمن سواك سأصطفي "
إبتسمت رغم أن كلماته ذكرتني بأشياء كنت أرغب بنسيانها ، همست
" سيسمعك أحدا ما "
وقف أمامي وأمسك يدي وقال بصوت مرتفع ليسمعه الجميع
" أنت التي روضتني بحسنها المتلطف
لا تحسبوني مبالغا
أنا إن قربت رحابها أتوضأ
فجمالها طهر كطهر المصحف
متصوف
قد صرت أهوي عينها
مهما تراني رأيتها لا أكتفي "
تعالت أصوات الهتافات و التصفيق والصفير والضحكات
فقبل أحمد يدي قائلا
" كتبت لك قصيدة أخري لكنني أخشي أن يسمعها أحد المتلصصين هنا "
إقترب صديق قائلا
" هل نادي أحد عليَ؟"
غمز لي أحمد
" ألم أخبرك ؟
يرغب الجميع بمعرفة الحوار الدائر بين العريس وعروسه
وغالبا يقول لها
" دعينا نبتسم ونهمس لنغيظ هؤلاء الحمقي "
أضحكتنا مزحته
ونادي أحد علي صديق فإنتهز أحمد الفرصة قائلا
" دعينا نهرب "
قلت مندهشة
" نهرب ؟!"
" أجل ، سنغادر دون أن يشعر بنا أحد "
" وحسن؟"
" أعطيته مفتاح شقتي ليستريح بها ، لقد جعلته يقدم ميعاد سفره ولم ينم منذ الأمس لذا قد هرب قبلنا "
إبتسمت وأعطيته يدي
" هيا بنا "
***
دخلت الشقة فأدهشني ما بها ، الإضاءة الساحرة والزهور المنسقة بكل زاوية ، والموسيقي الرائعة والعشاء الشهي.
نظرت إليه
" لقد جعلت نادر يسرق مفتاحك بالصباح وأمدني حسن بأفكاره النيرة "
همست
" شكرا لك "
" علام؟"
" علي كل شيئ "
" لدي هدية لك "
قالها كل منا بنفس اللحظة فضحكنا ثم قلت له
" أنت أولا "
أخرج علبة صغيرة من جيبه وفتحها
ووضع بإصبعي خاتما فضيا رائعا يضم حجرا أخضر اللون يميل للزرقة
"كان هذا لأمي ، أهدتني إياه كي أهديه لورد، أمي كانت تعرف أنك ستظهرين بحياتي كي تنيريها "
مسح الدمعة التي سالت من عيني قائلا
" أين هديتي ؟"
" إنتظرني لثوان "
دخلت لحجرتي سريعا وأحضرت الصندوق من الخزانة .
وأنا أغلقها رأيت فتاة جميلة سعيدة أمامي
نظرت لها لثوان قبل أن أكتشف أنني أنظر لنفسي بالمرآة .
أنا لم أعرفني لأن أحمد حولني لإنسانة أخري أفضل .
خرجت إليه ووضعت الصندوق بيده .
جلس علي الأريكة وفتح الصندوق ثم أخرج منها لفافة ، فض زينتها ثم صرخ مندهشا
" لم تفعلي"
" فعلت "
تأمل غلاف الديوان الذي كان يحمل صورة مرسومة بالرصاص لوجهه بنظارته ذات الإطار الأسود ولحيته المهذبة
والعنوان الذي توسطه
" رسائلي إلي ورد "
فتح الكتاب وتصفحه ليجد كل القصائد التي أرسلها لي والتي إرتجلها أمامي منذ لقائنا
قلت له
" تنقصها قصيدة اليوم "
تراقصت الفرحة بعينيه
"متي فعلت هذا ؟"
" كنت أسجل قصائدك أولا بأول علي حاسبي ، إستعنت ببطاقات الزهور وبذاكرتي ، أنا أعشق كلماتك يا أحمد "
نظر لعيني
" وأنا أعشقك أنت "
لمعت عينيه بالدموع
" أنت مرهف الحس كثيرا ، أنت تشبه أبي "
" حسنا ، لا تخبري أحدا بهذا ، أنت فقط لديك تأثير عجيب عليً"
إبتسمت
" ورد؟"
" نعم "
" عانقيني
بجوار قلبك إزرعيني
بين ذراعيك إحصديني
عانقيني
مزقي زيف الثياب وإخلعي سجن الرداء
وإنهضي قرب الشفاة نلتهم شهد المساء
بإختصار قبليني
إجمعي دقات قلبك وإصنعي منها تاج وتوجيني
مزقيني
رتبي تفاصيل وجهي كي أشبهك وتشبهيني "
شعرت كأن أحدهم يضع الكلمات بفمي فقلت له
" أخاف أن يسحبنا الموج لعرض بحر
وأتوه منك فمن في خوفي سيواسيني ؟"
نظر إلي مندهشا ثم تابع
" أشتهي في صحاري الحب ماء من شفاهك "
أعجبتني اللعبة فقلت
" قد أموت إليك شوقا لكنني بإشباع ظمأك لن أشارك "
ضحك حتي دمعت عينيه ثم تابع
" إن ظمأت فأنت ظمأي
إن عريت سأرتديك وقت حضن كالرداء
عانقيني
تحلقي مثل الطيور بالسماء "
قضمت شفاهي وتابعت
" يال الدهاء
أتعتقد أنهم قد وصفوا شفاهك ترياقا لدائي ؟
تصم أذنك عن أنيني
ولا تكف عن ترديد
عانقيني
عانقيني
عانقيني "
فتح ذراعيه لي قائلا
" عانقيني "
عندما سمحت لرأسي أن ترتاح علي كتفه همس بأذني
" اليوم إرتجلنا قصيدتنا الأولي معا "
ضحكت
" أنا لا أجيد كتابة الشعر "
قال مغيظا
" أعلم ، لا تعرفين الوزن ولا القافية لكن لديك إحساس جيد ، أنا لا أريدك أن تكتبي الشعر أنا أريدك أن تكوني ملهمتي الوحيدة "
"أحمد "
" نعم "
" أنا أريد أن أتناول العشاء ، فلقد فوت الغداء بسببك "
أبعدني وضغط علي أسنانه قائلا
" تبا لك "
ضحكت
فضحك
" الحقيقة أنني أيضا أكاد أموت جوعا"
***
من الصعب أن تجد أحد يحاول إرضائك بكافة الطرق حتي ولو علي حساب نفسه .
هشام رغم أنه حالة شاذة بمجتمعنا إلا أنه إستطاع أن يجعلني أخشي كل الرجال .
أحمد يثبت لي يوم بعد يوم المعني الحقيقي للرجوله .
أن تكون رجلا تختلف كليا عن أن تكون ذكرا .
الرجولة لا تعني الهدايا وقول الأشعار فقط بل تعني أن تراعي مشاعر غيرك وظروفهم ، أن تساندهم وتساعدهم إن كنت تستطيع .
المساعدة لا تعني المال فقط كما يفهمها الجميع
المساعدة قد تكون بمحاولتك التخفيف عن آلام أحد عزيز عليك بالحديث معه بمحاولة إضحاكه ، أن تكون مهرجا لشحص تحبه بوقت ضيقه لا يقلل من كرامتك بل يرفع من قيمتك لديه .
أن تمنح الآمان لشخص يقتله الخوف لهو أعظم من كل هدايا الدنيا .
أحمد منحني الآمان .
صبر كثيرا علي أشياء ما كان سيصبر عليها غيره .
أحمد يحبني
وحين تحب أحدا فأنت تمنحه جزءا من روحك ، بل تمنحه نفسك .
أنا لم أستطع أن أمنح أحمد نفسي .
إلي الآن قدمت له الفتات
ولم يعترض
لم يصرخ مطالبا بالمزيد .
بل منح دون أن ينتظر المقابل .
بليلة زفافنا إكتفي بالنوم بجواري .
كنت أعتقد أنني لن أستطيع النوم
أن الكوابيس التي كانت تطاردني ليلا ستهاجمني كالعادة وقد أخيفه
أو يؤذيه ألمي .
لكنني وعلي عكس كل ظنوني نمت قريرة العين
وفتحت عيني بالصباح لأجد نفسي بين ذراعيه فأجفلت
تمتمت معتذرة
" آسفة ... لقد ..."
ضحك قائلا
" نسيت أنك تزوجتي ، قد يحدث هذا لبعض الناس باليوم الأول من زواجهم "
قضمت شفاهي وعلت الحمرة وجهي ونظرت له لائمة فقال مازحا
" أنت بالجانب الخاص بي من الفراش وهذا يعني أنك سعيت إليَ بحثا عن الدفء وليس العكس "
ضربته علي كتفه
" يالك من لئيم "
" مازال الوقت مبكرا وبما أنه لا عمل لدينا فلما لا ننام مجددا وأعدك بعدها بإفطار جيد سأعده لك إن ظللت نائمة بين ذراعيَ ."
غرست وجهي بالوسادة فتمتم بصوت ناعس
" زوجتي الخجولة الجميلة "