رواية أويكاثوس الفصل الثامن عشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل الثامن عشر بشري إياد
أويكاثوس
البارت الثامن عشر
وقف الجميع في ساحة المعركة، يحدقون في الأنقاض التي خلفتها المواجهة الأخيرة، كانت الرياح تهبّ بلطف، كأنها تمسح آثار الظلام الذي حاول أن يبتلعهم، لكن رغم النصر، لم يكن الصمت الذي خيم عليهم صمت راحة بل صمت الحذر، نظرت إليانا حولها، تبحث عن أي علامة تدل على أن شيئًا ما لم ينتهِ بعد، أما إيفان، فكان يقف بجوارها، يمسك بسيفه بقوة وكأنه لا يثق بأن هذا هو الفصل الأخير.
- أليس غريبًا؟
تمتم أريوس، وهو يضع يده على كتفه المصاب:
- ماذا تقصد؟
سألت سيلينا بصوت منخفض، نظر إليهم بعينين تحملان بقايا الشك وقال:
- الأمر انتهى بسرعة أكبر مما توقعنا وكأن هناك شيئًا آخر لم يُكشف بعد.
قبل أن يتمكن أي منهم من الرد، اهتزت الأرض مرة أخرى، لكن هذه المرة لم يكن اهتزازًا عنيفًا، بل كان أشبه بدقات قلب بطيئة كأن هناك نبضًا في الأرض، نبضًا يرفض أن يُخمد، إليانا شهقت، ووضعت يدها على صدرها، كأنها تشعر بذلك النبض داخلها، إيفان أمسك بذراعها، صوته قلق:
- إليانا! ماذا يحدث؟
لكنها لم تكن قادرة على الإجابة لأنها سمعت الصوت ذلك الصوت الذي لا يمكن أن يكون موجودًا بعد الآن
- لقد قلتُ لكم الظلام لا ينتهي أبداً.
من وسط الدخان، ومن بين شقوق الأرض، خرج طيف أسود، لم يكن له شكل محدد، لكن العيون الحمراء التي تألقت داخله كانت تحمل كل الكراهية التي رأوها في لورينزو سابقًا، لكن هذه المرة، لم يكن مجرد فرد، كانت هناك قوة، قوة تفوقه، قوة كان هو مجرد بوابتها إلى هذا العالم.
- لقد كنتم مجرد بيادق في لعبة أكبر بكثير
صوت الطيف كان يحيط بهم من كل الاتجاهات، كأن الظلام ذاته أصبح واعيًا، كأنه لم يكن مجرد رجل، بل كان فكرة، فكرة تستمر حتى لو اختفى صاحبها، نظرت إليانا إلى رفاقها، ثم تقدمت خطوة إلى الأمام، وضعت يدها على صدرها، حيث لا تزال تشعر بذلك النبض الغريب، ثم رفعت عينيها وقالت بثبات:
- لا، هذه المرة، سنكسر الدائرة إلى الأبد. تحرك الجميع إلى وضع الاستعداد، كانوا يعرفون أن هذه ستكون المعركة الأخيرة، المعركة التي ستحدد ما إذا كان الضوء سينتصر أم سيظل الظلام يعيد نفسه إلى الأبد، في تلك اللحظة، استعاد إيفان كلمات قالها ذات يوم:
- حتى حينما يتلاشى الأمل وتنفجر الأرض تحتهم، سيكون لهم الحظ في أن يحققوا ما عجز العالم بأسره عن تحقيقه.
الآن، كان ذلك الاختبار الأخير لهذه الكلمات إما أن يكونوا النور الذي يكسر الظلام، أو أن يكونوا مجرد قصة أخرى تُنسى في كتب التاريخ، نظر إيفان إلى إليانا، ووجد في عينيها ذات القوة التي رآها سابقًا، أومأ لها بصمت، كأن بينهما اتفاقًا غير منطوق، ثم، بلا تردد، انطلقوا جميعًا نحو العاصفة الأخيرة، مع أول خطوة خطوها نحو الظلام المتجسد أمامهم، بدأ الهواء يثقل، وكأن العالم كله يكتم أنفاسه منتظرًا النتيجة، كانت الأرض تحتهم تهتز ببطء، تنذر بأن القادم لن يكون مجرد معركة عادية، بل حرب مصيرية بين النور والظلام، بين الحياة والفناء، رفع إيفان سيفه، ناظراً إلى الطيف الذي بدأ يتمدد، يمتد كأنما يحاول أن يغزو المكان كله.
- إن لم نقضِ عليه الآن، لن يكون هناك غد.
قال بصوت ثابت، لكنه لم يكن يخفي القلق الذي يشعر به، أما إليانا، فكانت تشعر بنبض قلبها يتسارع، لكنها لم تكن خائفة، على العكس، كانت تشعر بقوة تتنامى داخلها، قوة لم تكن تعلم بوجودها من قبل، كأن هذه اللحظة كانت مكتوبة لها منذ البداية.
- نحن من سيكتب النهاية.
تمتمت، ثم نظرت إلى سيلينا وأريوس ورفاقها، الذين كانوا جميعًا مستعدين للقتال، ثم، بلا مقدمات، انطلقت الحرب، لم يكن مجرد هجوم، بل قوة هائلة اندفعت من قلب الظلام، موجة سوداء كادت تسحقهم جميعًا، لكن في اللحظة الأخيرة، رفعت إليانا يديها، وكأنها تستدعي درعًا غير مرئي، واندفعت موجة نور مقابلة لتصطدم بتلك الطاقة القاتلة.
- كيف؟
تمتم إيفان، وهو يرى تلك القوة المنبعثة منها، لكن إليانا لم تكن تملك إجابة، لم يكن لديها وقت للتفكير، فقط كانت تعلم أنها يجب أن تنتصر، في الجانب الآخر، كان أريوس يواجه كائنات الظلام التي خرجت من الطيف، يقاتل بكل قوته رغم إصابته، أما سيلينا، فكانت تستغل سرعتها لتوجيه الضربات الحاسمة، لكن إيفان كان يعلم أن هذا ليس كافيًا لم يكن مجرد قتال جسدي، بل كان اختبارًا لإيمانهم، لمدى استعدادهم للتضحية من أجل هذا العالم، ثم، فجأة، دوّى صوت الطيف من جديد، أكثر قوة من السابق:
- لا يمكنكِ إنهائي، إليانا لأنني جزء منكِ.
تجمدت إليانا في مكانها، نظرتها امتلأت بالصدمة، وكأن الكلمات اخترقت روحها مباشرة.
- كاذب!
صرخت، لكن جزءًا منها كان يعرف أن هناك شيئًا خفيًا في ماضيها، شيئًا لم تفهمه بعد، ضحك الطيف بصوت مخيف، ثم همس:
- لماذا تظنين أنك الوحيدة القادرة على مواجهتي؟ لماذا تشعرين بهذا النبض في داخلك؟ لأنني جزء منكِ، ومن دوني، لن تكملي هذه المعركة.
كان إيفان قد سمع ما قيل، ولم يكن يستطيع أن يسمح لها بالاستسلام للشك، فاندفع نحوها، أمسك بيديها بقوة وقال بصوت حاسم:
- لا تستمعي إليه، إليانا! هذا ما يريده، أن يجعلكِ تشكين بنفسكِ!
لكن عقلها كان في دوامة هل يمكن أن يكون ذلك صحيحًا؟ هل يمكن أن يكون الظلام الذي تحاربه جزءًا منها؟ في تلك اللحظة، تذكرت الكلمات التي قالها لها معلمها ذات يوم:
- القوة الحقيقية لا تأتي من النور وحده، بل من القدرة على مواجهة الظلام بداخلك دون أن تدعه يسيطر عليكِ.
تنفست بعمق، ثم نظرت إلى الطيف مباشرة، هذه المرة بدون خوف، بدون تردد.
- قد تكون جزءًا مني لكنني لستُ أنت. ثم، جمعت كل قوتها، كل نورها، كل إيمانها وأطلقت موجة من الطاقة النقية، ليست لطرد الظلام فقط، بل لامتصاصه، لإعادته إلى حيث أتى، بدأ الطيف يصرخ، ينهار ببطء، فيما كانت قواه تتلاشى تحت قوة الضوء الذي استدعته إليانا.
- لاااااااااا!
كان هذا آخر ما سمعوه قبل أن يختفي الظلام تمامًا، ويعود السلام إلى المكان، وقف الجميع في ساحة المعركة، يتنفسون بصعوبة، ينظرون إلى بعضهم البعض بعيون مرهقة، لكن ممتلئة بالراحة، لقد انتهى الأمر لقد انتصروا، لكن إليانا، رغم الانتصار، كانت تعلم أن هذا لم يكن النهاية الحقيقية، بل البداية لحياة جديدة وحقيقة جديدة عليها أن تكتشفها عن نفسها، نظرت إلى إيفان، فابتسم لها، مد يده وقال:
- لقد فعلناها.
أمسكت يده، ثم نظرت إلى السماء، حيث كان أول ضوء للفجر يشرق وكأن العالم كله يبتسم لهم أخيرًا.