رواية أويكاثوس الفصل السادس عشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل السادس عشر بشري إياد
أويكاثوس
البارت السادس عشر
داخل معبد الظلال، حيث تتراقص أضواء المشاعل المرتعشة على الجدران
المليئة بالنقوش القديمة، وقفت ليارا أمام كايل، أنفاسها تتردد بينهما كحدّ السيف،
قبضتها مشدودة حول الجوهرة السوداء، لكن عينيها كانتا فارغتين، كأن كل شيء فيها
مات منذ لحظة الخيانة.
همست، بصوت مكسور:
- قل لي إنك لم تفعلها قل لي إنك لم تخنني، كايل.
لكن الصمت كان أكثر خيانة من أي كلمات، لم يحاول نفي شيء، لم يحاول
الاقتراب، فقط، عيناه كانتا جدارًا بلا ملامح، اقتربت خطوة، كأنها تحاول أن تراه
كما كان يومًا، لكنها لم تجد سوى شبح رجلٍ كان يومًا ملاذها، ارتعش صوتها:
- أنا كنتُ أقاتل لأجلنا، كنتُ أحارب العالم لأنني ظننتك درعي لكنك
كنتَ السهم الذي غُرِس في ظهري.
أخفض رأسه للحظة، قبل أن يرفع نظره إليها، وعيناه تكسوهما ظلمة لا
تعرف الرحمة، قال بصوت عميق، كأن كلماته كانت اعترافًا متأخرًا:
- ظننتِ أني سأكون حصنكِ، لكنكِ كنتِ دائمًا حربًا لا تهدأ، ليارا.
ضحكت ضحكة قصيرة، مكسورة، ثم رفعت الجوهرة بينهما، كأنها تزنها أمام
قلبها، قبل أن تقول بحسم:
- إذن احفظ هذه الحقيقة، كايل، هذه المرة، أنا التي سأكون حربك.
واستدارت، تاركة خلفها رجلًا كان يومًا كل الطرق التي آوتها، ليصبح
اليوم كل الطرق التي ستدوسها.
على أطراف مملكة الظلال، حيث كانت الحرب تقترب من ذروتها، وقف إيفان
وإليانا وأريوس معًا، يراقبون الساحة التي ستحدد مصيرهم، كان لورينزو في وسطها،
الظلام يحيط به ككيان ينبض بالحقد.
إليانا، التي حملت سيفها بقوة، نظرت إلى إيفان وقالت بصوت ثابت:
- هذه ليست مجرد معركة، هذه حرب ضد الظلام الذي حاول ابتلاع كل شيء،
لن نسمح له بالانتصار.
إيفان شدد قبضته على سلاحه، وعيناه تلمعان بعزيمة لم يكن يشعر بها من
قبل، نظر إلى أريوس، الذي بدا شاحبًا لكنه أكثر تصميمًا من أي وقت مضى قال:
- لن تكون هناك فرصة أخرى، يجب أن ننهي هذا الآن.
لكن قبل أن يتمكنوا من التقدم، ظهر كايل من بين الظلال، وجهه يحمل
آثار صراع داخلي لا يمكن إنكاره، نظر إلى إليانا، ثم إلى إيفان، وقال بصوت بارد:
- لورينزو ليس العدو الوحيد هنا، هناك من كان يخفي وجهه الحقيقي طوال
الوقت.
ارتبكت إليانا، لكن إيفان لم يلتفت إليه، كان تركيزه منصبًا على العدو
الحقيقي، صرخ وهو يندفع نحو لورينزو:
- سننهي هذا!
في اللحظة التي انطلقت فيها المعركة الأخيرة، سقطت الأقنعة، لم يكن
هناك مزيد من الأسرار، سيلينا، التي كانت قد تلقت الضربة القاتلة في المعركة
السابقة، استيقظت على صوت الانفجارات من بعيد، شعرت بألم قاتل في جسدها، لكن روحها
لم تُهزم بعد، نظرت إلى أريوس، الذي كان يركع بجانبها، عينيه تمتلئان بالخوف
والغضب، قالت بصوت خافت، لكن مليء بالقوة:
- لا وقت للدموع، أريوس، الظلام لن ينتهي إلا إذا واجهناه حتى
النهاية.
نهض أريوس، عيناه تشتعلان بالغضب، ثم قال:
- إذا كان هذا هو قدرنا، فلنجعلها معركة تُذكر في التاريخ.
وسط الساحة، حيث كانت السماء تشتعل بنيران الحرب، اندفع إيفان نحو
لورينزو، سيفه يضيء بنور لم يكن مجرد انعكاس للضوء، بل كان عزيمة، كان قوة أكبر من
الظلام نفسه. لورينزو، الذي لم يبدُ عليه الخوف أبدًا، ابتسم ابتسامة متغطرسة قبل
أن يرفع يده لإطلاق الضربة الأخيرة، لكن في اللحظة الأخيرة، شيء تغيّر، إليانا،
التي كانت تراقب كل شيء، أدركت أن الحرب لم تكن فقط في الساحة، الحرب الحقيقية
كانت في القلوب، في الاختيار بين الظلام والنور، صرخت بصوت هزّ أرجاء المكان:
- لورينزو! هذه النهاية لك!
اندفعت نحوه، وسيفها في يدها، لكنها لم تكن وحدها، كان الجميع خلفها،
إيفان، أريوس، سيلينا، وحتى كايل، كانوا جميعًا هناك، مستعدين لإنهاء الظلام إلى
الأبد.
وفي لحظة خاطفة، انطلق النور، سقط لورينزو، ومعه سقطت مملكة الظلال، ارتجّت
الأرض تحت أقدام الجميع، كأن صرخة إليانا لم تكن مجرد كلمات، بل إعلانًا لانفجار
هائل من القوة، انطلقت نحو لورينزو بكل سرعتها، لكن الأخير لم يكن عاجزًا كما بدت
لحظاته الأخيرة.
بغمضة عين، رفع يده وأطلق موجة سوداء ضخمة، انتشرت كسيلٍ من الظلام،
تبتلع كل ما في طريقها، تراجعت إليانا بسرعة، لكن قوتها وحدها لم تكن كافية لصدّ
ذلك السيل الكاسح، إيفان قفز بجانبها، يلوّح بسيفه المشتعل بالطاقة، مشكّلًا
حاجزًا من الضوء، لكن الموجة لم تتوقف، عندها، ظهر كايل فجأة، نظر إلى إليانا نظرة
أخيرة قبل أن يرمي بجسده أمام الموجة السوداء، مستخدمًا كامل طاقته لامتصاص
الضربة.
في اللحظة التي ضربه فيها الظلام، اهتزّ المكان بأكمله، واندفعت قوة
هائلة من جسده، ممزّقة جزءًا من سماء الحرب، صرخت إليانا:
- كايل، لااااا!
لكن الوقت لم يكن كافيًا للحزن، لورينزو لم يسقط بعد، بدا كوحشٍ
استيقظ من غفوته، عينيه تلمعان بجنون وهو يضحك:
- ظننتم أنكم انتصرتم؟ الحرب لم تبدأ بعد!
لوّح بيديه، وبدأت الأرض تنشقّ، كأن بوابةً للجحيم قد فُتحت، أريوس،
الذي كان يراقب المشهد بعيون ملتهبة، أدرك أن هذه هي لحظة الحقيقة، تقدم للأمام،
رفع رمحه عاليًا، وصاح بأعلى صوته:
- ليس اليوم، أيها الظلام!
اندفع بقوة لم يشعر بها من قبل، طاقته تشتعل من حوله كاللهب الأزرق،
وفي لحظة خاطفة، اخترق رمحه حاجز الطاقة الذي كان يحمي لورينزو، مغروسًا في صدره
بقوةٍ هائلة.
توقّفت ضحكة لورينزو، تحوّلت ملامحه إلى ذهول، ثم إلى ألم، ارتجف
جسده، وكأنّ قوةً غير مرئية كانت تمزّقه من الداخل، في تلك اللحظة، تقدّمت سيلينا،
التي عادت من حافة الموت، لتوجه ضربتها الأخيرة، نظرت إليه بعينين مليئتين بالحزم،
وقالت:
- هذه النهاية، ليس فقط لك، بل لكل ما زرعته من خراب. وضعت يديها على صدره، وأطلقت ضوءًا أبيض نقيًا اخترق الظلام داخله، ثم
انفجر جسده إلى رمادٍ متناثر، تلاشى في الهواء، ومعه انهارت مملكة الظلال.
بعد لحظات من الصمت القاتل، بدأ الضوء يعود تدريجيًا إلى المكان، وكأن
الشمس أشرقت من جديد بعد قرونٍ من الظلام، وقفت إليانا تلتقط أنفاسها، تنظر إلى ما
تبقّى من المعركة، رأى إيفان دموعها التي حاولت إخفاءها، فوضع يده على كتفها وقال
بهدوء:
- لقد انتهى الأمر.
لكنها همست، وكأنها تعرف الحقيقة المخبأة في الأعماق:
- لا شيء ينتهي حقًا، إيفان، هذه مجرد بداية أخرى.
نظر إليها، ولم يستطع إنكار كلماتها، رغم سقوط لورينزو، ورغم
انتصارهم، كان هناك شيءٌ في الأفق، شيءٌ لم يُكشف بعد، لكن هذه الحرب كانت قد
انتهت.
في مكانٍ بعيد، حيث لم يصل النور بعد، جلس رجلٌ في الظلام، يراقب كل
شيء عبر مرآة سحرية، ابتسامةٌ غامضة على شفتيه، تمتم بصوت هادئ، لكنّه محمّل
بالوعد:
- لقد لعبتم دوركم جيدًا لكن اللعبة لم تنتهِ بعد.
ثم اختفى الظلام، تاركًا خلفه همسةً واحدة