رواية أويكاثوس الفصل الثالث عشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل الثالث عشر بشري إياد
أويكاثوس
البارت الثالث عشر
وقفت إليانا وسط العاصفة المظلمة التي اجتاحت الساحة، عيناها تلمعان
بوميض غريب، وكأن قوة خفية تحاول السيطرة عليها، حاولت التراجع، لكن جسدها لم يعد
ملكًا لها بالكامل، وكأن شيئًا في داخلها يريد التوجه نحو القلعة السوداء.
في الجهة الأخرى، كان إيفان يراقبها، أنفاسه تتسارع، وهو يرى الشخص
الذي أحبه يتحول أمامه إلى شيء لم يعد يعرفه، شعر بيد تمسك بذراعه بقوة، فالتفت
ليجد ليارا تنظر إليه بقلق.
ليارا بجدية:
- يجب أن نوقفها قبل أن تصبح جزءًا من هذا الظلام!
لكن إيفان لم يستطع سماع شيء سوى نبضه المتسارع، وهو يرى إليانا
تتراجع نحو القلعة بخطوات بطيئة، وعيناها تتوهج بشيء لم يفهمه، لم يكن لديه وقت
للتفكير، فاندفع نحوها، أمسك بيدها بقوة وسحبها إليه، مما جعلها تتجمد في مكانها
للحظة.
إيفان بصوت مختنق:
- إليانا لا تذهبي.
رمشته بعينيها المتوهجتين للحظة، وكأنها تحاول تذكر شيء من الماضي،
قبل أن تغمضهما فجأة، وكأنها تصارع بين قوتين داخلها. إليانا بصوت ضعيف:
- إيفان لا أستطيع القوة إنها تسيطر عليّ
اقترب أكثر، وضع يديه على وجنتيها، همس لها بصوت دافئ رغم كل الفوضى
حولهم:
- أنا هنا لا تدعيهم يأخذونك مني.
تسارعت أنفاسها، وشعرت للحظة أن عالمها كله يتمزق بين الظلام والضوء،
بين الخضوع لهذه القوة الغامضة وبين التمسك بصوته الذي كان دائمًا ملاذها الوحيد، ببطء،
رفعت يديها، وأمسكت بيديه فوق وجهها، وكأنها تحاول استمداد القوة منه، للحظة كان
كل شيء حولهما يختفي لا حرب، لا بوابة سوداء، لا جيش من الظلال فقط هو وهي، في
مواجهة مصير غامض، لكنه كان يعرف لن يدعها تذهب.
***
بينما كانت اللحظات العاطفية بين إليانا وإيفان تأخذ مجراها، كان
الوضع على الجانب الآخر يتصاعد نحو نقطة اللاعودة، وقف فالكر في مقدمة التحالف،
يحدق بالرجل المظلم الذي خرج من القلعة السوداء، ذلك الذي بدا وكأنه تجسيد لكل
الأساطير المظلمة التي حُكيت عن المملكة المنسية.
فالكر بصوت بارد:
- إذن لم تكونوا مجرد خرافة.
ابتسم الرجل المظلم بسخرية، رفع يده، فتجمعت طاقة سوداء حول أصابعه،
قبل أن يهمس بصوت يشبه الريح القادمة من عالم آخر
الرجل المظلم: ولم تكن قصص الأبطال سوى كذبة لكن لا تقلقوا، سأريكم
الآن كيف تنتهي هذه القصة.
فجأة، اندفع الجيش المظلم إلى الأمام، وبدأت المعركة الكبرى!
***
وسط أصوات السيوف المتشابكة والصيحات المتعالية، كانت ليارا تقاتل بكل
قوتها، تقطع كل من يقترب منها، لكن فجأة شعرت بسهم يخترق الهواء باتجاهها، وقبل أن
تدرك ما يحدث، وجدت جسدًا يقف أمامها، وشيء دافئ يصطدم بها، اتسعت عيناها وهي ترى
روهان يقف أمامها، وقد اخترق السهم كتفه، لكن يده لم تترك سيفه، التفت إليها، ونظر
بعينيه العميقتين قبل أن يقول بابتسامة خفيفة:
-هل أناقذك دائمًا، أم أنكِ فقط تحبين وضع نفسك في الخطر؟
شعرت بشيء غريب يجتاحها، مزيج من الغضب والقلق والدفء الذي لم تفهمه،
اقتربت منه، أمسكت بكتفه لتنظر في عينيه مباشرة.
ليارا بحدة:
- أحمق! لماذا لماذا تفعل هذا؟ لكن رده كان مختلفًا هذه المرة رفع يده الجريحة ولمس وجنتها بلطف، قبل
أن يهمس:
- لأنكِ تستحقين أن تُحفظي من كل هذا الجنون.
تسارعت أنفاسها، لكنها لم تملك وقتًا للرد، لأن المعركة لم تنتهِ بعد،
ولأن شيئًا آخر كان يقترب شيء سيغير كل شيء.
***
وسط الفوضى، انفجرت البوابة مرة أخرى، وخرج منها كيان جديد، شيء لم
يكن من المفترض أن يعود أبدًا، اتسعت عينا إليانا، عادت القوة إليها بالكامل، لكن
هذه المرة، كانت تملك السيطرة أو هكذا اعتقدت.
إيفان بذهول:
- ماذا يحدث الآن؟!
لكن لا أحد كان يملك الإجابة لأن الحرب لم تكن سوى البداية، والظلال
لم تكشف بعد عن كل أسرارها.
***
كانت إليانا تشعر بحرارة غريبة تجتاح جسدها، كأنها تتوهج من الداخل،
لكن هذه المرة لم يكن الظلام هو من يسيطر عليها، بل قوة أخرى بدأت تتجلى، عندما
لامس إيفان وجهها، كان بإمكانه أن يشعر بالكهرباء تسري في جسده، دفء غريب ممزوج
بطاقة لم يختبرها من قبل، ارتعشت شفتيها وهي تهمس بصوت مرتجف: - أنا أستطيع رؤيتها الآن، كل الأجزاء المفقودة قوتي لم تكن كاملة
أبدًا، والآن
أغمضت عينيها للحظة، وفجأة، بدأت الرموز القديمة المحفورة على جدران
القلعة تتوهج، وكأنها تستجيب لها، رفع فالكر حاجبيه بذهول وهو يرى تلك العلامات
السحرية تنبعث منها طاقة لم يرَها من قبل، بينما وقف روهان بجانب ليارا، ممسكًا
بسيفه بقوة، وهو يشعر بشيء غريب يضغط على قلبه.
روهان بهدوء:
- هذا ليس سحر الظلال هذا شيء آخر.
اقترب إيفان أكثر، أمسك بيد إليانا، نظر في عينيها التي أصبحت بلون
أزرق متوهج، وشعر بالنبض المتسارع في يدها.
إيفان بصوت دافئ:
- إذا كنتِ سترحلي، فلن يكون وحدك.
فتحت عينيها فجأة، وانطلق وميض أزرق من جسدها، دفعه للوراء، لكنه لم
يسقط بل شعر بشيء يتغير داخله هو الآخر.
***
في اللحظة التي أطلقت فيها إليانا طاقتها، تردد صداها عبر الممالك
الأخرى، وكأنها كانت الشرارة التي أيقظت شيئًا كان نائمًا لقرون، مملكة النار، حيث
يحكمها الأمير أريوس، الذي شعر بحرارة مفاجئة في كفه، وكأن اللهب ذاته يهمس له، مملكة
الجليد، حيث الأميرة سيلينا التي نظرت نحو السماء المتجمدة، لترى كتل الجليد تهتز
للمرة الأولى منذ مئة عام، مملكة العواصف، حيث كان رايجان يراقب السحب السوداء
التي بدأت تتجمع فوق برجه، وبرق لم يره من قبل يخترق السماء، مملكة الظلال، حيث
وقف داريوس فوق برجه المظلم، عيناه الحادتان تراقبان كل شيء، قبل أن يبتسم بسخرية.
داريوس بصوت منخفض:
- وأخيرًا اللعبة بدأت.
***
أفاق إيفان من موجة الطاقة، لكنه لم يكن كما كان من قبل. شعر بقوة
تتدفق في جسده، طاقة قديمة، وكأن شيئًا ما بداخله قد كُسر ليكشف عن حقيقته، نظر
إلى يده، فرآها تتوهج بلون فضي باهت، قبل أن تتشكل فوق جلده أنماط لم يكن يعرفها.
إيفان بدهشة:
- هذه ليست قوتك فقط، إليانا إنها قوتنا.
لكن قبل أن يتمكن من استيعاب الأمر، سُمع دوي عنيف، وظهرت بوابة أخرى
وسط المعركة، هذه المرة لم تكن سوداء بل كانت متوهجة بالنار، خرج منها أريوس، وشعر
الجميع بحرارة المكان ترتفع، اقترب بخطوات ثابتة، وعيناه المشتعلتان تتجولان
بينهم.
أريوس بصوت عميق:
- يبدو أن هذه الحرب ليست ملكًا لكم وحدكم.
وقف بجانبه رايجان، برق يلمع في عينيه، وسيلينا التي كان الهواء
البارد يتجمد حولها، أما داريوس فظل في الظل، يراقب، يبتسم، وينتظر لحظة سقوط
الجميع.
نظرت إليانا نحو القادمين الجدد، وأدركت أن المعركة القادمة لن تكون
مجرد حرب على السلطة بل صراع بين القدر والاختيار.
إليانا بهدوء:
- إذا كنا سنخوض هذه الحرب علينا أن نعرف من نحن أولًا.
اقترب إيفان، ورفع سيفه، بينما نظر فالكر نحو الممالك الأخرى، وبدأ
يرى كيف أن القوى بدأت تتجمع، وأن هذه الحرب لم تكن سوى البداية، أما في الخلف،
كان روهان لا يزال ينزف، لكنه تمسك بيد ليارا التي أمسكت به بقوة، ولم تتركه يسقط.
روهان بابتسامة باهتة:
- أظن أنني بحاجة إليكِ بعد كل شيء، ليارا.
نظرت إليه للحظة، ثم ابتسمت بدورها، قبل أن ترفع سيفها معه، مستعدة
لما سيأتي، كانت هذه لحظة تغيير كل شيء، الحرب الكبرى بدأت الآن.
***
ساد الصمت للحظات، لكنه لم يكن صمت راحة، بل صمتًا مثقلاً بالتوتر،
وكأن الهواء نفسه كان يترقب الانفجار القادم، وقف إيفان وسيفه يتوهج بلون فضي نقي،
بينما كانت إليانا تشعر بتدفق هائل من الطاقة داخلها، وكأنها أصبحت صلة الوصل بين
الممالك المتصارعة.
على الجانب الآخر، كان أريوس، أمير النار، يراقب الجميع بعيونه
الحارقة، بينما كان رايجان، سيد العواصف، يعقد ذراعيه بابتسامة واثقة، أما سيلينا،
فبدا الجليد الذي يحيط بها وكأنه ينبض بالحياة، لكن الشيء الوحيد الذي لم يكن
واضحًا هو داريوس، وقف في الظل، وعيناه تتبعان إليانا وإيفان، وكأنه يزن خياراته.
داريوس بصوت هادئ:
- إذن، من منكم سيكون أول من يسقط؟
في لحظة واحدة، تحرك أريوس بسرعة خاطفة، سيفه المشتعل ينطلق نحو إيفان
الذي بالكاد تمكن من صد الهجوم، لكن الحرارة كانت تكاد تذيب درعه.
إيفان يتنفس بصعوبة:
- إنه أقوى مما توقعت
لكن قبل أن يتمكن أريوس من توجيه ضربة ثانية، تجمدت يده في الهواء،
وتحولت النيران حوله إلى جليد.
سيلينا ببرود:
- لا تلعب بالنار كثيرًا، أريوس، وإلا ستحترق أنت أولًا.
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتيه وهو يحرر يده، والنار تشتعل من جديد
حول جسده.
أريوس: أحب هذا التحدي!
***
في تلك الأثناء، كانت إليانا تشعر بشيء آخر شيء لم يكن طبيعيًا، نظرت
إلى الظل حيث وقف داريوس، ورأت كيف أن الطاقة حوله لم تكن طبيعية، لم تكن نارية،
أو جليدية، أو حتى كهربائية بل كانت مظلمة وعميقة كأنها فجوة في الكون نفسه، اقترب
منها بخطوات بطيئة، عيناه تلمعان بلون أرجواني غامض.
داريوس بصوت خافت:
- أنتِ مختلفة عنهم، أليس كذلك؟
تراجعت خطوة للوراء، لكن قلبها كان ينبض بعنف، وكأن كلماته لم تكن
مجرد حديث، بل كانت اختراقًا لعقلها وروحها.
إليانا بحذر:
- ماذا تريد؟
ابتسم بخبث، وأمال رأسه قليلاً.
داريوس: أريد أن أعقد معكِ صفقة.
كانت عيناه تلمعان بخطورة، ويداه مخبأتين في عباءته السوداء، وكأنه
يخفي ورقة رابحة لم يُظهرها بعد.
داريوس بهمس مغرٍ:
- ساعديني وسأريكِ الحقيقة التي يخفونها عنكِ جميعًا.
***
قبل أن تتمكن إليانا من الرد، اخترق صرخة ألم الأجواء، التفت الجميع
ليجدوا روهان ممسكًا بصدره، والدماء تسيل من بين أصابعه.
ليارا بفزع:
- روهان!!
ركضت نحوه، لكن قبل أن تصل، ظهر شخص من العدم هيئة مألوفة، وجه مخفي
بقلادة ملكية.
فالكر بصدمة:
- هذا مستحيل أنتَ ميت!
لكن القاتل لم يكن مجرد شخص عادٍ لقد كان شخصًا من الماضي، شخصًا كان
الجميع يظنه قد اختفى إلى الأبد.
إليانا بصوت مرتجف:
- لا هذا لا يمكن أن يكون صحيحًا.
أما داريوس، فابتسم كأن كل شيء يسير كما خطط له.
داريوس بهمس خافت:
- ألم أخبركِ أن الحقيقة مخبأة في الظل؟
***
ماذا ستكون الحقيقة التي يخفيها داريوس؟ ومن هذا القاتل الذي عاد من
الماضي؟ وكيف ستتغير التحالفات بعد هذه الصدمة؟