رواية أويكاثوس الفصل الحادى عشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل الحادى عشر بشري إياد
أويكاثوس
داخل القاعة العريقة للقصر، كان الجو مشحونًا بالتوتر، حيث اجتمع قادة الممالك المتنازعة لأول مرة بعد سنوات من العداء، وقف فالكر بجانب كيرا، يراقب الوجوه المتجهمة حول الطاولة المستديرة، بينما جلس إيفان في المقابل، يعبث بخاتمه الفضي بطريقة توحي بعدم اكتراثه، رغم أن عينيه كانتا تمسحان الحاضرين بدقة.
إيفان بصوت ساخر:
- إذن نحن هنا لنتحدث عن السلام؟ غريب كيف أن الدمار وحده هو ما يدفع البشر للجلوس معًا.
داريوس بهدوء لكن بحزم:
- نحن هنا لأننا لم نعد نملك خيارًا آخر.
تبادلت ليارا النظرات مع إليانا، كلتاهما تعرفان أن هذه الجلسة لن تكون سهلة، وأن مجرد وجود الجميع في مكان واحد هو أشبه برقصة فوق جليد هشّ.
كيرا بصوت جاد:
- إن لم نجد طريقة لإنهاء هذا الصراع الآن فستكون هذه مجرد استراحة قبل معركة جديدة أكثر دمارًا. لكن ما لم يعرفه أحدهم أن الظلام لم يكن قد كشف عن كل أوراقه بعد.
في غرفة واسعة ذات جدران مزينة برسومات قديمة، جلست إليانا أمام مرآة عتيقة، تحدّق في انعكاسها كأنها ترى شيئًا لا يستطيع أحد غيرها رؤيته، دُفع الباب ببطء، ووقف إيفان عند المدخل، يراقبها بصمت قبل أن يقول بصوت خافت:
- هل وجدتِ ما كنتِ تبحثين عنه؟
لم تلتفت إليه، بل همست وهي تمرر يدها فوق الزجاج البارد:
- بل اكتشفت ما كنت أخشاه.
اقترب منها ببطء، وعيناه تضيقان بتركيز:
- الخوف لا يجدي نفعًا الآن، إليانا نحن نقترب من النهاية.
أخيرًا، استدارت لتنظر إليه، وعيناها تحملان ظلًّا من الحزن والخوف.
- أم أنها مجرد بداية جديدة لنفس الدائرة الملعونة؟
***
على أطراف المملكة، في قلعة مهجورة أكلتها الحروب، كان داريوس يتقدم داخل الممرات المظلمة، تتبعه ليارا، التي لم تستطع إخفاء توترها.
ليارا بصوت منخفض:
- هل أنت متأكد أن هذه هي الطريق الصحيحة؟
توقف للحظة، ثم نظر إليها بابتسامة خفيفة:
- عندما تكونين في الظلام، لا يوجد طريق صحيح فقط اتجاهات مختلفة للمجهول.
كادت ترد، لكن صوتًا خافتًا قطع تفكيرها، جعلهما يتبادلان النظرات قبل أن يسحب داريوس سيفه ببطء.
ليارا بهمس:
- لسنا وحدنا هنا.
الظلال تحركت والخطر لم يكن بعيدًا.
***
وسط كل هذه الفوضى، كان هناك مكان صغير حيث لم يكن للحرب صوت، في شرفة مرتفعة تطل على أنوار المدينة الخافتة، وقفت كيرا، تستند إلى السور الحجري، بينما اقترب منها فالكر بهدوء.
فالكر: لقد كنتِ صامتة أكثر من المعتاد.
نظرت إليه بابتسامة باهتة، لكن عينيها كانت تحملان مئات الكلمات غير المنطوقة.
كيرا: أحيانًا الصمت يكون الطريقة الوحيدة للنجاة من الضجيج داخلنا.
اقترب أكثر، حتى كاد يلمس كتفها، لكنّه توقف، كأنه يخشى كسر شيء هشّ بينهما.
فالكر بهمس:
- إنه ليس صمتًا، إنه خوف وأنتِ لستِ وحدكِ في هذا، كيرا.
رفعت عينيها إليه، وفي تلك اللحظة، أدرك كلاهما أن الحرب الحقيقية لم تكن فقط في ساحات القتال بل داخل قلوبهم أيضًا.
***
في ساحة سرية تحت أحد المعابد القديمة، كان إيفان واقفًا أمام طاولة حجرية، بينما شخص مقنّع يجلس على الجانب الآخر، يراقبه بصمت.
الشخص المقنع: لقد حان الوقت، إيفان لم يعد بالإمكان تأجيل الأمر أكثر.
أمال رأسه قليلًا، عاقدًا ذراعيه
إيفان: أنت تتحدث وكأنني لم أكن أعلم بهذا منذ البداية.
الشخص المقنع بابتسامة غامضة:
- إذن، ما هو قرارك؟
نظر إليه للحظة طويلة، ثم قال بصوت بارد:
- لقد لعبنا الشطرنج طويلًا حان الوقت لقلب الرقعة بأكملها.
داخل أعماق القصر، خلف جدران مزخرفة بآثار ماضٍ دموي، كانت إليانا تتقدم بخطوات بطيئة، تتلمس بأناملها الباردة نقوشًا قديمة محفورة في الحجر، تحمل رموزًا لم تفهمها من قبل، لكنها الآن بدت لها أكثر وضوحًا من أي وقت مضى، تبعها إيفان، صوته كان هادئًا لكنه يحمل قلقًا خفيًا:
- لماذا أتيتِ إلى هنا وحدك؟
إليانا بهمس:
- لأنني لم أعد أريد أن أكون ضحية الأسرار بعد الآن.
وضعت يدها على إحدى الأحجار، وبحركة خفيفة، انفتح باب سري، ليكشف عن ممر ضيق يقود إلى مكان مجهول، التفتت نحو إيفان وعيناها تتوهجان بعزيمة لم يرها فيها من قبل:
- هل ستتبعني أم أنك خائف مما سنجده؟
ابتسم إيفان بسخرية، ثم خطا نحوها، ليجتازا البوابة معًا، دون أن يدركا أن ما ينتظرهما قد يكون أعظم مما تخيّلاه.
***
في قاعة العرش، اجتمع قادة الممالك من جديد، لكن هذه المرة لم يكن الحديث عن هدنة بل عن مصير العالم الذي بدأ يتداعى تحت وطأة المؤامرات والخيانة، وقف داريوس في المنتصف، عينيه تتنقلان بين الوجوه المتوترة، قبل أن يقول بصوت حازم:
- إن لم نتحرك الآن، سنصبح مجرد قطع شطرنج في لعبة لم نعد نتحكم بها.
فالكر متصلبًا:
- وماذا تقترح؟ أن نخوض حربًا جديدة ونحن لم نداوِ جراحنا بعد؟
ليارا: الحرب لم تنتهِ أبدًا فقط تغيّرت أشكالها.
نظر إليهم روهان، الحاكم الغامض لإحدى الممالك البعيدة، وقال ببرود:
- أنتم تتحدثون وكأن لديكم خيارًا لكن الحقيقة أن الظل قد بدأ بالتحرك بالفعل، وما نحن سوى بيادق تنتظر مصيرها.
ساد الصمت للحظات، قبل أن يقول داريوس:
- إذن فلنكسر القواعد ونرسم مصيرنا بأنفسنا.
***
في أحد الممرات المضاءة بنور الشموع الخافتة، كانت كيرا واقفة وحدها، تحدّق في السماء الملبدة بالغيوم، كأنها تبحث عن إجابة بين النجوم، اقترب منها فالكر، صوته كان هادئًا لكنه يحمل توترًا خفيًا:
- لم أركِ هكذا من قبل ما الذي يشغل بالكِ؟
استدارت نحوه، وعيناها تحملان صراعًا بين القلب والعقل:
- هل تعتقد أن هناك فرصة للنجاة؟
اقترب أكثر، يضع يده على كتفها برفق:
- النجاة ليست خيارًا بل معركة علينا خوضها.
حدّقت في عينيه للحظة طويلة، قبل أن تهمس:
- وأنا هل سأكون معك في هذه المعركة؟
نظر إليها بعمق، ثم قال بصوت خافت لكنه مليء باليقين:
- كنتِ دائمًا معي، حتى قبل أن أدرك ذلك.
***
في القبو السري تحت القصر، حيث الظلام أكثر كثافة من أي مكان آخر، وقف إليانا وإيفان أمام جدار حجري، عليه نقش غامض يضيء كلما اقتربا منه، لمست إليانا الحروف بحذر، فجاءها صوت خافت، كأنه قادم من الماضي نفسه:
الصوت: كل شيء له ثمن حتى الحقيقة.
نظر إيفان إليها، وقال ببطء:
- هل أنتِ مستعدة لمعرفة ما لم يكن يجب أن يُكشف؟
أخذت نفسًا عميقًا، ثم همست:
- لا عودة للوراء بعد الآن. ضغطت على النقش، ومع ذلك، لم تكن مستعدة أبدًا لما سيحدث بعد ذلك.
في أعماق القبو المظلم، تردد صدى الحجر المنزلق ببطء، كاشفًا عن ممر ضيق يختبئ خلف الجدار، نظرت إليانا إلى إيفان، عيناها تلمعان بحذر وفضول.
إليانا بصوت خافت:
- لا مجال للتراجع الآن.
مد إيفان يده إلى خنجره، غريزته تحذّره، لكنه تبعها داخل النفق المظلم، مع كل خطوة، تزداد برودة الهواء، حتى وصلا إلى قاعة دائرية تتوسطها منصة حجرية قديمة، تتوهج بنقوش غامضة.
إيفان: ما هذا المكان؟
لم تجبه إليانا، كانت أناملها ترتجف وهي تلمس الحروف المتوهجة، فجأة، اهتزت الأرض تحت أقدامهما، وصوتٌ غامض تمتم بكلمات غير مفهومة، كأن أحدهم قد أيقظ شيئًا لم يكن يجب أن يُوقظ.
إيفان يمسك سيفه:
- إليانا، تحركي للخلف!
لكنها لم تتحرك، حدّقت في النقوش وهي تتراقص بضوء أحمر قاتم، وكأنها تنبض بالحياة، وفجأة انفجرت ألسنة اللهب من الجدران، وبدأت الظلال تتحرك!
***
على الجانب الآخر، في قاعة العرش الكبرى، كان اجتماع الممالك قد بلغ ذروته، وقفت ليارا أمام الجميع، نبرتها صارمة كالسيف:
- نحن لا نحارب وحشًا عاديًا بل شبحًا ظل يتحكم في مصيرنا دون أن نراه.
فالكر بحدة:
- ومن يكون هذا الشبح؟
التفتت ليارا ببطء إلى الحاكم الغامض روهان، الذي كان جالسًا بصمت، وعيناه تتابعان النقاش كأنه لا يعنيه، لكن ابتسامة خفيفة ظهرت على شفتيه حين التقت نظراتهما.
روهان بهدوء مخيف:
- وأخيرًا، بدأتم تفهمون.
وقف داريوس بغضب، قبضته تضرب الطاولة:
- كفى لعبًا! ماذا تعرف؟
نهض روهان ببطء، وعيناه المتقدتان بنار غامضة جالت بين القادة:
- أعرف أن العدو الذي تحاولون هزيمته هو نحن.
ساد الصمت القاتل، لم يكن أحد مستعدًا لهذه الحقيقة.
***
في الممرات الخلفية للقصر، كان فالكر يسير بخطوات سريعة، محاولًا استيعاب ما سمعه للتو، لكن صوته انقطع حين اعترضت طريقه كيرا، عيناها مشتعلة بالغضب.
كيرا: إلى أين تعتقد أنك ذاهب؟
فالكر: ليس لدي وقت لهذا، كيرا.
أمسكت بذراعه، نظراتها تزداد حدّة:
- أنت تهرب مجددًا، كما تفعل دائمًا.
توقّف، تأملت وجهه الذي بدا ممزقًا بين التردد والغضب، ثم همست:
- إن كنت ستقفز إلى النار فأنا معك.
نظر إليها طويلًا، وكأن صراعًا داخليًا يلتهمه، ثم همس:
- قد لا يكون هناك عودة، كيرا.
كيرا بابتسامة جريئة:
- لطالما أحببتُ الطرق التي لا عودة منها.
***
داخل القبو السري، اشتد توهج النقوش، وبدأت الظلال تتخذ أشكالًا بشرية، كأنها أرواح ضائعة تبحث عن جسدٍ تسكنه. إيفان يرفع سيفه:
- إليانا، هذا ليس مكانًا لنا!
لكنها لم تتحرك، كانت مأسورة برؤية بدأت تتضح أمامها، صور ملوكٍ قُتلوا، معارك دُمّرت، ووشاح أسود يرفرف في الظلام ووسط كل ذلك، وجه روهان، يبتسم بثقة وكأنه يعرف كل شيء، ارتجف جسدها، وهمست بصدمة:
- لقد كان يخطط لهذا منذ البداية
وفي تلك اللحظة، فُتح بابٌ جديد داخل القبو، ليكشف عن ممر يقود إلى شيء كان الجميع يخشون مواجهته، نظرت إلى إيفان، وقالت بحزم:
- لن نعود قبل أن نعرف الحقيقة كاملة.
إيفان بصوت منخفض:
- فلنواجه مصيرنا إذن.
ومعا عبرا الباب إلى حيث لا رجعة.