رواية أويكاثوس الفصل السابع عشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل السابع عشر بشري إياد
أويكاثوس
البارت السابع عشر
بعد سقوط لورينزو، ساد الصمت ساحة المعركة، كأن العالم بأسره توقف
ليلتقط أنفاسه بعد تلك العاصفة العاتية التي قلبت الموازين، كانت إليانا تقف وسط
الدمار، نظراتها تائهة، وكأن عقلها يرفض تصديق أن المعركة انتهت أخيرًا، اقترب
منها إيفان، كان جسده مثقلًا بالجراح لكنه ابتسم قائلًا:
- لقد فعلناها، أليس كذلك؟
لكنها لم ترد، كانت تشعر بشيء غريب، كأن هناك خطبًا لم يُحسم بعد،
كانت تعرف أن هذه لم تكن النهاية الحقيقية، أريوس، الذي جلس على الأرض يلهث، نظر
إليها وقال:
- أشعر أن شيئًا ما مفقود هذه الحرب لا يمكن أن تكون قد انتهت بهذه
السهولة.
قبل أن يتمكن أحد من الرد، اهتزت الأرض تحت أقدامهم فجأة. نظرت سيلينا
حولها بقلق وصاحت:
- هذا مستحيل لقد دمرنا قلب الظلام، لا يمكن أن يكون هناك شيء آخر!
لكن الإجابة جاءت سريعًا، حين انبثق صوتٌ خافت من العدم، كان همسًا،
لكنه اخترق الهواء كالسيف:
- هل اعتقدتم أنني سأرحل بهذه السهولة؟
من وسط الرماد، ظهر طيف أسود، لم يكن لورينزو، بل شيء آخر، شيء أكثر
رعبًا، بدا وكأنه خليط من الظلال والضوء، ملامحه تتغير باستمرار، وكأنه لم يكن
ينتمي لهذا العالم، رفع إيفان سيفه فورًا، لكن الطيف ضحك بسخرية، وقال:
- حركاتكم هذه لم تعد تجدي نفعًا أنتم تواجهون الآن قوةً لا يمكنكم
حتى تخيلها.
لم يكن لديهم وقت لاستيعاب ما يحدث، لأن الظلام بدأ يتوسع، ينتشر
كطاعون، يمتص كل شيء حوله، صرخ أريوس:
- نحن لسنا مستعدين لهذا! نحن نحن خسرنا الكثير بالفعل!
لكن إليانا، التي كانت صامتة طوال الوقت، قالت بحزم:
- لم نخسر بعد.
خطت إليانا للأمام، عيناها مشتعلة بتصميم لم يره أحد من قبل، كانت
تدرك أن هذه كانت لحظة الحقيقة، اللحظة التي ستحدد مصيرهم جميعًا، لقد انتهى عهد
الظلام، هذه الحرب ستنتهي الآن!
رفع الطيف يده ليطلق موجة أخرى من الطاقة، لكن قبل أن يفعل، شعرت
إليانا بقوة غريبة تتدفق داخلها كانت هذه القوة مألوفة، نظرت إلى يدها، ورأت
وميضًا ذهبيًا ينبثق منها، كان هذا إرثًا قديمًا، قوة كانت كامنة داخلها طوال هذا
الوقت، تنتظر اللحظة المناسبة لتظهر.
- هذه هي نهايتك.
في لحظة خاطفة، رفعت يديها، وأطلقت طاقةً هائلة، طغت على كل شيء، صرخ
الطيف بألم، وبدأ يتلاشى ببطء، حتى لم يبقَ منه سوى بقايا متناثرة من الظلال.
***
حين انقشع الغبار، نظر الجميع إلى إليانا بدهشة، لم يكن أحد يتوقع أن
تمتلك هذه القوة، اقترب منها إيفان وقال بصوت منخفض:
- ماذا حدث للتو؟
لكنها لم تكن متأكدة، كل ما عرفته هو أن شيئًا ما قد تغيّر، وأنها لم
تعد كما كانت من قبل، وقف أريوس بجانبها وقال بابتسامة:
- لقد انتهى الأمر أخيرًا.
نظرت إليهم جميعًا، ورأت في عيونهم التعب، لكن أيضًا الأمل، لم يكن
هذا مجرد انتصار، بل كان بدايةً جديدة، لكنها لم تستطع التخلص من ذلك الشعور الذي
ظل يهمس في أعماقها هل انتهى كل شيء حقًا؟
***
في مكان بعيد، حيث لا يصل الضوء، جلس
رجل في الظلام، يراقب كل شيء من خلال مرآة سحرية، ابتسم ابتسامة باردة، وقال بصوت
خافت:
- لقد ظننتم أنكم انتصرتم لكن هذه ليست إلا البداية.
ثم اختفى الظلام، تاركًا خلفه همسة واحدة
- سأعود.
ساد الصمت بعد اختفاء الطيف المظلم، لكن لم يكن هذا صمت النصر، بل صمت
ما قبل العاصفة، الجميع كانوا يلهثون، أجسادهم مثقلة بالجراح، عقولهم منهكة من
القتال، ولكن أعينهم لم تفقد اللمعان، كان هناك شيء في الأفق، شيء لم يدركوه بعد.
وقف إيفان بجانب إليانا، نظر إليها بعينين تحملان كل ما مروا به، وقال
بصوت منخفض لكنه يحمل ثقل المعركة:
- هل انتهى حقًا؟
لكن إليانا لم تكن متأكدة، لم تشعر بالراحة بعد، بل شعرت بشيء آخر شيء
مظلم، كأنه لا يزال يتربص بهم في الظل، في تلك اللحظة، شقت السماء صرخة مدوية، كأن
العالم بأسره يعلن رفضه لنهايتهم بهذه الطريقة، ثم حدث ما لم يتوقعه أحد
***
من تحت الأنقاض، من حيث لا يُفترض أن يكون هناك حياة، ارتفعت موجة
سوداء، كأنها ظل ينبض بالحقد، وبدأت تتجمع في شكل جديد، شكل لم يكن بشريًا
بالكامل، بل كان شيئًا آخر، شيئًا تفوق على كل كوابيسهم، لورينزو لم يمت بل تطور.
نظر إليهم بابتسامة باردة، عينيه المتوهجتين بالسواد تعكسان القوة
المطلقة التي استحوذ عليها، وقال بصوت مشبع بالسخرية والغضب:
- ظننتم أنكم هزمتموني؟ لا شيء يمكن أن يهزم الظلام، لا شيء!
رفع يده، وفي لحظة، بدأت الأرض تحتهم تهتز، وكأنها ترفض وجودهم، صرخ
أريوس وهو يحاول الحفاظ على توازنه:
- إنه يستخدم الأرض نفسها ضدنا!
سيلينا، التي بالكاد تمكنت من الوقوف، صاحت:
- إذا لم نوقفه الآن، فلن تكون هناك فرصة أخرى!
وفي لحظة من التحدي، حين تكاد الأيدي تتراخى، والقلوب توشك أن تهزم،
جاء الضوء كالأمل الوحيد، لقد كان الجميع قد علموا أن المعركة ليست مجرد معركة
جسدية، بل معركة من أجل القيم التي يؤمنون بها، من أجل الضوء الذي سيبدد كل ظلام
حاول أن يغزو حياتهم، إليانا وقفت بثبات، عيناها مشتعلة بالعزيمة، وهي تشاهد كيف
أن كل خطوة تقترب من النهاية، وكل لحظة تكشف عن قوة أكبر من أي قوة عرفوها من قبل،
نظر إليها إيفان، ورأى شيئًا لم يره من قبل لم تكن مجرد محاربة، لم تكن مجرد قائدة
بل كانت رمزًا لكل ما قاتلوا من أجله، حتى حينما يتلاشى الأمل وتنفجر الأرض تحتهم،
سيكون لهم الحظ في أن يحققوا ما عجز العالم بأسره عن تحقيقه، رفع إيفان سيفه، وقال
بصوت هادئ لكنه حمل داخله العاصفة ذاتها:
- لن ندع الظلام يفوز.
نظرت إليانا إليه، وابتسمت لأول مرة منذ بدء المعركة، ثم قالت:
- معًا.
اندفعت نحو لورينزو، واندفع إيفان بجانبها، تلاهما أريوس وسيلينا،
كأنهم موجة واحدة من الضوء، متحدون ضد آخر معاقل الظلام، لورينزو أطلق طاقة قاتمة
باتجاههم، لكن قبل أن تصل إليهم، انقسمت إلى أجزاء، كأن الهواء نفسه يرفض وجودها، في
تلك اللحظة، أدرك لورينزو الحقيقة لقد انتهى أمره.
كان النور الذي تجسد في أعينهم، في خطواتهم، في إصرارهم، أقوى من أي
قوة واجهها من قبل، وفي اللحظة الأخيرة، حينما أحاطوه من كل الجهات، وقبل أن يسقط
للأبد، همس بكلماته الأخيرة:
- لم ينتهِ شيء سيعود الظلام دائمًا.
ثم، وبصوت أشبه بانفجار نجمي، اختفى للأبد.
وقف الجميع وسط الأنقاض، يلهثون، ينظرون لبعضهم البعض بعيون تحمل
الإرهاق لكن أيضًا الراحة، اقترب إيفان من إليانا، نظر إليها مطولًا، ثم قال:
- لقد فعلناها.
لكنها لم ترد، كانت عيناها مثبتتين على الأفق، حيث الشمس تشرق لأول
مرة منذ فترة طويلة، وكأنها تباركهم بنورها الجديد، لكنها، في أعماقها، لم تستطع
نسيان آخر كلمات لورينزو، هل يعود الظلام فعلًا؟ وفي قلبها، كانت تعرف الجواب، لكنها
لم تخف بعد الآن، لأنها عرفت شيئًا واحدًا طالما هناك نور، فلن يستطيع الظلام أن
ينتصر.