قصة أنفصام متمرد الفصل الثالث حنين محمود رشدى
قصة أنفصام متمرد الفصل الثالث
قصة أنفصام متمرد حنين محمود رشدى
أنفصام متمرد
البارت الثالث
الليل نزل على المصحّة زي كابوس ناعم، هادي، بس يخوف، فرح كانت قاعدة على الأرض، ضهرها للحائط، قدامها ملفات سيف مفتوحة، عينيها بتقرأ بس عقلها في حتة تانية خالص، كل حاجة حوالين الولد ده فيها حاجة مش مفهومة، مش بس شخصيتين زي ما توقعت، ده في حاجة أعمق، أظلم، حاجة بتحركه من جواه، سألت نفسها للمرة الألف:
-"هو ليه بيحبني؟ وهو أنهي واحد فيهم؟"
★★
في عنبر الرجال كان سيف قاعد على السرير، رافع راسه للحيط، ضحكته هادية بس عينه فيها نار، الممرض قرب منه وقال له:
-خد دواك.
-أنا أخدت دوائي الحقيقي.
-إزاي يعني؟
-بصيت في عينيها، بس كده.
الممرض اتوتر وخرج بسرعة، سيف اتكلم لوحده:
-"عارف يا شادي؟"
-"أنا اللي هخرجك المرة دي."
-"بس بشرط متقربش منها."
-"لو قربت هقتلها بأيدك."
★★
الدكتورة فرح كانت بتحاول تتصل بزميلها النفساني اللي اشتغل على حالة مشابهة قبل كده بس الرقم مقفول، كل اللي عرفته إن سيف مش أول حالة انفصام عنيفة يشوفها الدكتور ده، بس كان الوحيد اللي كتب في تقريره:
-"الحالة عنده مش مجرد اضطراب نفسي، دي لعنة."
★★
تاني يوم وصلت للمصحّة واحدة جديدة اسمها جميلة اتنقلت من سجن النساء للمصحّة بعد انهيار عصبي، أول ما شافت سيف وشها اتغير.
-إنت؟! مش ممكن! ده هو!
فرح قربت منها:
-تعرفيه؟
-ده اللي قتل أختي!
-أختك؟!
-أيوه بس مش هو! كان نفس الشكل، نفس الضحكة، بس عينه كانت سودة، سودة بالكامل!
سيف كان بعيد عنهم بس ابتسم وكأنه سمع كل حاجة.
★★
في الجلسة التانية فرح قررت تلعبها لعبته، لبست فستان رمادي بسيط، وشعرها مفرود، أول مرة تشوفه من غير ملفات ولا أوراق، بس كبني آدم.
-أنا مش جاية أعالّجك النهاردة.
-أومال جاية تعملي إيه؟
-أفهمك.
-فاكرة نفسك أذكى منّي؟
-لا، بس أهدى منك.
-ده اللي بيغرك في نفسك، إنك فاكرة إن الهدوء علامة على القوة، بس أنا؟ الهدوء عندي معناه إن شادي نايم.
سكت لحظة وبصّ في الأرض، بعدين رفع راسه:
-عايزة تعرفي شادي؟ هاتيلي المراية.
رجعت أوضتها وجابت مراية صغيرة ودخلت بيها الجلسة، قدّمتها له وقالت:
-هاي يا شادي، اتكلم.
سيف بص في المراية، وفجأة وشه اتبدّل، نفس الملامح بس عينه لمعت، وبقى فيها سُخرية تقيلة، شر، ابتسم:
-وأخيرًا عرفتي تندهي عليا.
-إنت مين؟
-أنا اللي بحميه منكم.
-ليه بتقتل؟
-عشان أنقذ سيف من نفسه.
-هو بيحبني.
-أنا كمان بس حبي مؤلم، أنا بحبك لدرجة إني ممكن أقتلك.
في نفس اللحظة حصلت حالة شغب في عنبر النساء، جميلة دخلت في هيستيريا بتصرخ:
-هو هنا، هو دخل الأوضة، إخرجوه برا!
كاميرات المراقبة رجعت تشتغل، وفي واحدة منهم في عنبر ستات بان ظل سيف واقف وراها.
فرح رجعت لأوضتها مرعوبة قفلت الباب، لقت تليفونها بيرن، رقم غريب.
ردّت: ألو؟
-أنا مبقتش في دماغي أخرج، أنا بس عايزك تكوني ليا.
-سيف؟!
-شادي، سيف نايم دلوقتي.
-لو قربت منها تاني، هقتلك.
-وإزاي هتقتلني وإنت جوايا؟
والمكالمة قفلت بس صوته لسه بيرن في ودنها، وعينها راحت للمراية ووشها مكانش وشها.
★★
انفصام المتمرد، الساعة كانت ٣:٣٣ فجرًا رقم مش مريح، وهدوء المصحة كان بيخوف أكتر من الصريخ، فرح مكانتش نايمة، كانت قاعدة على الأرض، حضنها ملف سيف، بس عينيها سابته من زمان، تفكيرها كان هناك، جوا عقل البني آدم اللي قدامها مش بني آدم، مين فيهم الحقيقي؟ سيف؟ ولا شادي؟ ولا في حد تالت لسه مستخبي؟
★★
في عنبر الرجال كان سيف واقف قدام الحيطة بيكلمها وكأنها بترد:
-بتخافي مني؟ متخافيش أنا مكسور بس مش فيكي، انتِ الوحيدة اللي قربتي بس لما تقربي شادي بيغير، وشادي مبيسامحش.
ضحكته طلعت واطية، مجروحة، وبعدها خبط دماغه في الحيط مرة، اتنين، تلاتة، الممرض دخل مفزوع، سيف لف بسرعة وقال:
-متقلقش ده أنا اللي جوه، مش شادي.
الممرض طلع يجري، وسيف همس:
-بس أنا كذاب.
★★
في الصبح فرح قررت تطلب مقابلة مباشرة مع سيف من غير كاميرات، من غير حد، دخلت الأوضة، قفلت الباب وقعدت قصاده على الأرض.
-تعالى نلعب لعبة.
-لعبة؟
-أيوه، كل مرة تجاوب بصراحة، أنا أقول سر من حياتي.
-ولو كدبتي؟
-إنت اللي هتقرر.
-تمام، اسألي.
-إنت قتلت؟
سيف سكت، ثم ابتسم:
-أيوه بس مش أنا.
-مين؟ شادي؟
-هو اللي شال السكين، بس أنا كنت فرحان.
-ليه؟
-لأني كنت بحس إني بخلص العالم من الوحوش، بس الوحش الحقيقي كان دايمًا جوايا.
فرح خدت نفس وقالت:
-أنا كنت بخاف من بابا زمان.
-ضربك؟
-لا، بس عينيه كانت زي عينيك فاضية.
سيف قرب منها شوية، صوته بقى أوطى:
-بتحبي مين فينا؟
-أنا بحب اللي بيحاول يهرب، اللي بيصارع نفسه، اللي بيتألم عشان مش عايز يضرك.
-يبقى بتحبي سيف.
-ش متأكدة بس أكيد مش شادي.
★★
في نفس اليوم حصل انقطاع في الكهرباء لمدة دقيقتين، بس في الدقيقتين دول واحدة من الممرضات اختفت، كاميرات المراقبة سجلت آخر لحظة ليها ماشية ناحية العنبر لوحدها، وراها ظل طويل ملوش ملامح، الليل دخل بشراسة، الجو بقى برد فجأة، وجوه المصحة ريحة حاجة محروقة، فرح قفلت باب أوضتها لكنها مقدرتش تمنع رعشة قلبها، فجأة الباب خبط، قامت ببطء سحبت الكرسي ووقفت ورا الباب:
-مين؟
مفيش صوت، رجعت خطوة، الباب اتفتح لوحده، برا مكانش فيه حد غير ظرف بني واقع على الأرض، فتحته جواه صورة، صورتها هي نايمة في أوضتها، ومتوقّع وراها ظل واقف مش واضح بس عينه كانت سودة تمامًا.
★★
تاني يوم قابلت جميلة كانت قاعدة في الركن بتعيط.
-مالك؟
-أنا عرفت هو مين، مش بني آدم يا دكتورة.
-جميلة، ارجعي لعقلك.
-ده مش بني آدم! ده كائن بيدخل العقول يسكنها، يكسرها ويقتل اللي يحبوه.
فرح مردتش لأن في أعماق عقلها كانت مصدقة.
★★
سيف اتنقل للزنزانة الانفرادية بعد اختفاء الممرضة وهم بيدخلوه وشه كان هادي بس وهو بيبص للمراية الصغيرة اللي في الجدار قال:
-شايفك يا فرح حتى من هنا، مش هتعرفي تهربي، أنا في عقلك دلوقتي.
★★
وفي الليلة دي فرح حلمت، حلمت إنها مربوطة في سرير، والضوء بيتأرجح، وشخص بيقرب منها، بس له وش سيف، وعينين شادي، وصوت مش مفهوم بيهمس:
-أنا بحبك بس هقتلك.
صحيت بتنهيدة مرعوبة وإيدها متسخة بشيء أحمر بس مكانش دم، كان أحمر شفاه نفس اللون اللي اختفى من شنطتها من أسبوع.