أخر الاخبار

قصة أنفصام متمرد الفصل السابع والأخير حنين محمود رشدى

قصة أنفصام متمرد الفصل السابع والأخير حنين محمود رشدى

قصة أنفصام متمرد الفصل السابع والأخير حنين محمود رشدى 

قصة أنفصام متمرد حنين محمود رشدى 

أنفصام متمرد
 البارت السابع والأخير 

الأنوار انطفت، القبو اتسدل عليه سكون خانق، والصمت بقى ليه صوت، صوت بيخوف أكتر من أي صريخ، فرح واقفة قدام المراية بس الوش اللي شايفاه مش وشها، سيف كان بيتحرك جوا المراية كأنه كائن منفصل عنها، بيضحك، بيغمزلها، بيمدّ إيده ليها لكن إيدها فضلت ثابتة، هي مش عايزة تمد إيدها، قال لها بصوت مبحوح:

-مدّي إيدك، انتِ عارفة إنك عايزاني.

-أنا مش عايزة أكونك.

-بس انتِ فعليًا أنا، إحنا واحد، فرح، أنا كل اللي كنتي خايفة تعيشيه، أنا الغضب اللي كبتيه، أنا الحُب اللي منعتِيه، أنا اللي بتضحكي قدام الناس، وبتعيطي في الحمام عشانه.

فرح ابتلعت ريقها ونزلت دمعة بدون إرادة، مش من خوف، من وجع الحقيقة، فجأة الباب اللي وراها خبط خبطة واحدة، حد بيحاول يدخل لكن المفتاح مش معاهم، وصوت الدكتور حسام جاي من بعيد:

-فرح! افتحي! ده خطر عليك!

-هو مش خطر عليا، هو أنا!

-انتِ مريضة لازم نساعدك!

-أنا مش مريضة، أنا بس معدتش مزيفة!

رجعت تبص للمراية لكن سيف مشى، مكانه فاضي، ووشها رجع وش فرح الحقيقي، مرهق، باين عليه الشجن بس لأول مرة صادق، سابت المراية وفتحت الصندوق تاني بس المرة دي لقت حاجة جديدة مكانتش موجودة قبل كده؛ مذكرات صغيرة قديمة، مكتوب على أول صفحة منها:

-"أنا اللي خلّيتك تكملي."

كانت الكلمات دي مكتوبة بخط طفل، خطها وهي صغيرة، قعدت على الأرض وبدأت تقرا، كل صفحة كانت تحكي عن مواقف، ضرب، صمت، وجع، وكل مرة كانت تكتب اسم وهمي في آخر السطر "سيف"، كانت بتخلق شخصية تهرب لها، تحتمي بيها، تحب فيها، صوت وراها همس:

-كنتي طفلة ذكية، عرفتي تحميني جواكي، وكنتي بتزوريني كل مرة تبكي، كل مرة تتكتمي، كل مرة تتكسري.

-بس أنا كبرت، أنا معدتش عايزاك.

-بتكدبي، لسه بتستخدِميني لما بتتواجهي.

-أنا مش محتاجاك علشان أعيش.

-بس محتاجاني علشان تنتقمي.

قالت وهي بتكتم غيظها:

-أنا مش عايزة انتقام، أنا عايزة راحة.

-الراحة عمرها ما بتيجي من الغفران، بتيجي من السيطرة.

-أنا مش هكون نسخة منك.

-بس انتِ أصلّي.

باب القبو اتفتح فجأة والممرضة هدير دخلت وهي بتنهج، عينيها متسعة، قالت بخضة:

-فرح لقيت أوراق تخصك في أوضة حسام، فيها ملاحظات عنك من قبل حتى ما تيجي المصحة!

-قبل ما آجي؟!

-أيوه كان بيراقبك، هو اللي طلب تحويلك هنا!

فرح اتجمدت، المعلومات دي كانت زي طعنة، الدكتور اللي كانت بتعتبره سند طلع مراقب، موجهها مش معالجها، فجأة حسّت بسخونة في رقبتها، إيد لمستها من ورا، وصوت سيف همس لها:

-شايفة؟ محدش بيحبك بصدق غيري.

-اسكت!

-أنا بحبك حتى لما بتكرهيني!

-أنا بكرهك، بس بكرهني أكتر لأني صنعتك.

لفت بسرعة مفيش حد، سيف بيطلع جواها، هو مش برّه، مش ظل، هو فكرة، فرح مسكت الوردة السودا اللي لسه كانت في الصندوق، وقربتها من وشها، كانت ناوية تكمل بس المرة دي، مش بالهروب، بالمواجهة، خرجت من القبو ماشية بخطوات ثابتة عينيها مبترمش، سابت هدير وراها وراحت تدور على الدكتور حسام، وأول ما شافته في غرفة المراقبة، قالت له:

-أنا دلوقتي جاهزة أتحكم في سيف بس أول خطوة إني أتحكم فيك.

والنور اتطفى فجأة، وصوت سيف جه من جوا عقلها:

-"مستعدة للعبة؟"

الدكتور حسام وقف قدام فرح، عينه فيها ارتباك مش مفهوم، وابتسامته اللي دايمًا كانت مطمئنة بقت فجأة باهتة، مريبة، قال بهدوء:

-فرح اسمعيني انتِ بتخلطي بين الحقيقة والخيال، كل اللي حصل مجرد تصورات.

-يعني إنتَ مش اللي جمعت ملفاتي النفسية قبل ما أجيلك؟

-ده كان لحمايتك.

-ولا علشان تراقب تجربتي؟ علشان تثبت نظريتك؟

فرح قربت منه أكتر وحطت الورقة اللي لقتها في وشه، الورقة اللي فيها توقيعه وتفاصيل حالتها النفسية من شهور قبل دخول المصحة.

-إنت بتلعب بيا من أول يوم.

-مكنتيش حالة عادية، كنتِ ظاهرة، وكنت لازم أدرسك.

-طب سيف؟ كنت تعرف إنه موجود؟

-كنت متأكد إنه مجرد انعكاس لصدماتك مش أكتر.

ضحكت فرح ضحكة مخلوطة بالحزن:

-يعني أنا كنتِ كتاب مفتوح ليك، وانت كنت قافل الباب عليا.

حسام مد إيده عشان يطمنها لكن هي سحبت نفسها بسرعة، بصت له بنظرة معرفش يفكها، في اللحظة دي حس بشيء غريب، الجو بقى سقعة جدًا، نفسه بقى تقيل، وشاف انعكاسه في شاشة الكاميرا بس مش هو، كان سيف، سيف لابس بالطو الدكتور قاعد مكانه وبيبتسم، حسام تراجع خطوتين وقال بخوف:

-فرح؟ انتِ بتلعبي لعبة خطيرة.

-أنا؟ لا، أنا خلّصت لعبي.

-يبقى انتِ مجنونة!

-أيوه مجنونة جدًا بس مش بالوحدة.

هزّت فرح راسها، ولمحت هدير واقفة ورا الدكتور ماسكة حقنة منومة كانت بتستخدم للمصابين بالهياج.

-مش محتاجة حقنة، هو مش هيصحي تاني.

-مين؟

-إنت.

دكتور حسام لف بسرعة بس اتأخر، الإبرة كانت اخترقت جلده بالفعل، جسمه وقع على الأرض، ملامحه بتترج، عينه بتدمع، شفايفه بترتعش، وفرح واقفة فوقه بتنزل دمعة واحدة بس، وقالت بصوت ميت:

-أنا مقتلتكش، انت اللي اخترت تموت لوحدك.

الغرفة غطّاها صمت عميق، وصوت واحد طلع من السماعات:

-كلنا جوانا سيف بس قليلين اللي بيسيبوه يخرج.

فرح بصّت في الكاميرا، عينيها كانت مش بتلمع، نطقت بأكتر جملة باردة ومخيفة خرجت منها من ساعة دخولها المصحة:

-أنا حرة لكن اللي جوايا لسه مربوط ومستنيّ أول واحد يحرّضه من جديد.

وابتسمت.

والإضاءة اتحولت أحمر، والباب قفل لوحده، والمراية اللي في الركن اتكسرت، وفي آخر الزاوية ظهر سيف وبدأ يعد من واحد لسبعة، ولما وصل لـ8، همس بصوت بارد:

-اللي جاي هيكون ألعن.

تمت


تعليقات