رواية أرض الظلام الفصل الثاني هويدا عصام بدوى
أرض الظلام الفصل الثاني هويدا عصام
أرض الظلام
الجزء الثاني: المدينة المظلمة
اليوم كان مختلفًا، إذ كانت السماء ملبدة بالغيوم، والهواء محملاً برائحة غريبة. كانت المدينة المسورة، التي كانت تحيط بها جدران شاهقة، تبدو أكثر كآبة من المعتاد. لكن بالنسبة لعلياء، كان هذا اليوم يحمل شيئًا غامضًا، شيئًا يشعرها بشيء مميز وكأنها على وشك اكتشاف سر جديد.
مُذ كانت صغيرة، كانت علياء تشعر بأن هناك شيئًا غير مرئي يحيط بها، شيئًا يمكنه أن يكسر كل القيود التي تفرضها المدينة عليها. كانت تخشى أن تصبح مثل الآخرين، الذين يقبلون بحياة تقليدية ويقفون عند حدود الجدران التي تفصلهم عن العالم.
"هل سمعتي عن المعبد؟ "سألها راشد يومًا، وهو ينظر إليها بنظرة عميقة، وكأن تلك الكلمات كانت تحمل أكثر مما يظهره ظاهرها.
لم تعرف علياء في ذلك الوقت ما الذي كان يقصده، ولكن شيئًا في قلبها جعلها تشعر بأن هذا المعبد كان المفتاح لجميع تساؤلاتها. كان يعرف شيئًا لم تعرفه، وكان عليه أن يكشف لها الحقيقة.
المدينة، كما كانت تعرفها، كانت مكانًا لا يعترف بالأمل، حيث لا أحد يجرؤ على الحلم بحياة أفضل أو رؤية العالم الآخر. كانت الشوارع ممتلئة بالظلال، والجدران التي تحيط بها كانت تحول كل شيء إلى متاهة مظلمة، مثل سجن لا يستطيع أحد الهروب منه. في تلك الليلة، كان الضوء يأتي من مكان بعيد، من أعلى التل حيث كان يقف المعبد القديم. كان الضوء يبدو مختلفًا، وكأن هناك شيئًا غريبًا ينبعث منه، شيئًا لم يكن في استطاعتها تفسيره.
"علياء، يجب أن تذهبي إلى هناك الآن! "قال راشد، بينما كان وجهه يعبّر عن قلق شديد.
"أنتِ في خطر، لا وقت لديكِ للتساؤلات. "لكن علياء كانت مشوشة. لماذا عليها الرحيل؟ لماذا الآن؟ المدينة كلها كانت تعرفها، وكانت كل زاوية فيها جزءًا من حياتها. كانت الجدران ليست مجرد حجر وأسمنت، بل كانت جزءًا من هويتها. كيف لها أن تترك كل ذلك خلفها؟
"إلى أين أذهب؟" همست، بينما كانت الرياح تعصف بالشوارع.
"إلى المعبد... هناك ستجدين ما تبحثين عنه، لكن عليكِ أن تذهبي بسرعة." قال راشد، وقد بدأ يشعر بضغط الوقت. كانت هناك قوة غير مرئية تلاحقهم. بينما كانت تسير خلفه، بدأت علياء تشعر بشيء غريب يتسلل إلى قلبها، شيء غامض ينبض داخلها، وكأن هناك شيئًا في المعبد يخصها.
الجزء الثالث: التوتر المتصاعد
بينما اقتربا من المعبد، بدأت علياء تشعر بضغط متزايد. كانت الأرض تحت قدميها تهتز قليلاً، وكان الهواء ثقيلًا كما لو أن المدينة كلها كانت تتنفس معها. المعبد، الذي كان يبدو في البداية كرمز للتاريخ والقداسة، بدأ يظهر لها وكأنه مكان يشع بالظلام.
عند المدخل، توقف راشد، ونظر إليها نظرة جادة.
"أنتِ هنا الآن، علياء. لكن لا تظني أن الأمر سيكون سهلاً. المعبد ليس مجرد مكان، إنه بوابة. والبوابة هذه تأخذك إلى عالم آخر."
علياء شعرت بشيء من الفزع. كانت تعلم أن حياتها لن تكون كما كانت من قبل، وأن كل شيء قد يتغير الآن. لكنها كانت تعلم أيضًا أنه لا يوجد طريق للعودة.
الفصل الثاني: بوابة البداية
الجزء الأول: خطوة في المجهول
بينما كانت علياء تتابع خطاها خلف راشد، كانت تشعر أن العالم من حولها يختفي شيئًا فشيئًا. كانت جدران المدينة تبدو أكثر عتمة، وكأنها تتلاشى في الظلال، والهواء كان مليئًا بشيء غريب، كما لو أن المدينة نفسها كانت تتنفس معها. كلما اقتربا من المعبد، كان الظلام يزداد كثافة، والأصوات تصبح أكثر ترددًا في أذنيها. كانت مشاعرها متضاربة، بين رغبة قوية في اكتشاف ما وراء الجدران وبين خوف غير مفسر من المجهول الذي ينتظرها.
وصلا إلى مدخل المعبد، كان الباب الضخم المكسو بالنقوش القديمة يواجههما. كان يبدو قديمًا جدًا، وكأن الزمان قد توقف أمامه. كان الباب مغلقًا بإحكام، ولكن كانت هناك رموز غريبة على سطحه، أشبه بتعويذات قديمة.
"هذا هو المكان، علياء. هنا ستجدين إجاباتك."
قال راشد بصوت خافت، بينما كانت عيناه تلمعان بضوء غامض.
كانت علياء تشعر بشيء غير مريح في قلبها، لكنها في الوقت ذاته كانت مدفوعة برغبة قوية في معرفة المزيد.
"ولكن ماذا يوجد خلف هذا الباب؟" سألته، وأعينها تتنقل بين النقوش على الباب وفي عينيه.
"لا وقت للتساؤل الآن، يجب أن تفتحيه بنفسك. الباب لا ينفتح إلا بإرادتك." أجابها، وهو يراقبها بنظرة محملة بمعاني كثيرة.
علياء مدت يدها نحو الباب، ووضعت أصابعها على النقوش، شعر بالبرد القارس يتسلل إلى أعماقها. كانت تتساءل ما إذا كانت قادرة على فتحه، لكن شيئًا ما في داخلها كان يخبرها بأن هذا هو الطريق الوحيد.
فجأة، اهتز الباب بشدة، وتحرر الصوت الذي بدا وكأنه همسات قديمة، صوتٌ يخترق الزمن ويصل إلى أعماق نفسها. بدأت الرموز تتوهج بشدة، وعندما دفعته، انفتح الباب ببطء، وكأنما كان ينتظر لحظة معينة لكي يلتقط أنفاسه.
الجزء الثاني: العالم الآخر
عبرت علياء مع راشد عبر المدخل المفتوح، وكل خطوة كانت تجعلها تشعر بأن الأرض تحت قدميها ليست كما كانت من قبل. المعبد كان عبارة عن هيكل ضخم مليء بالأعمدة العالية، محاطًا بحجرة واسعة مظلمة. الهواء داخل المعبد كان ثقيلًا ومشبعًا بشيء غريب، كان يشبه الأنفاس القديمة.
"أين نحن؟" همست علياء، بينما كانت تتفحص المكان بحذر. كانت تشعر أن كل زاوية من المعبد تحمل سرًا قديمًا، وكل حجر يشير إلى قصة لم تكتشفها بعد.
"هذا هو المكان الذي كان يجب أن تجديه." أجاب راشد، وهو يوجه نظره إلى الأمام حيث كان هناك مصباح قديم ينبعث منه ضوء ضعيف. "لكن ليس كل شيء هنا كما يبدو"
"ماذا تعني؟ "قالت علياء، بينما كانت تتبع خطواته. كان قلبها ينبض بسرعة، وكانت تشعر أن هناك شيئًا ما غير مريح، كما لو أن المكان نفسه كان يراقبها.
لم تجب عليه في البداية، بل تابع طريقه ببطء بين الأعمدة القديمة. ومع كل خطوة، كان المكان يزداد ظلامًا وكأن الجدران نفسها تضيق حولها. كان هناك شيء غريب في هذا المعبد، شيء لم تشعر به من قبل.
وصلا أخيرًا إلى غرفة ضخمة في قلب المعبد، حيث كان هناك حجر قديم مغطى برموز غريبة، وتحيط به هالة من ضوء خافت. كانت الغرفة تبدو وكأنها تحتوي على أسرار قديمة، وأسرار قديمة لم تُكتشف بعد. كان الحجر نفسه يبرق بطريقة غريبة، كما لو أنه يعكس ضوءًا من عالم آخر.
"هذا هو سر المعبد." قال راشد أخيرًا، وهو يوجه يده نحو الحجر.
"لكن لا يمكنكِ الاقتراب منه إلا إذا كنتِ مستعدة لتحمل الحقيقة."
الجزء الثالث: الحقيقة المكشوفة
علياء وقفت أمام الحجر، كانت عيناها تركزان على الرموز التي كانت تتوهج من داخله. فجأة، بدأ الحجر يهتز، ومعه بدأت الأرض تحت قدميها تهتز أيضًا، كما لو أن المكان كان يستعد لفتح بوابة جديدة.
"هل أنتي مستعدة؟." سأل راشد بصوت خافت، بينما كان يراقبها عن كثب.
كانت علياء مترددة، ولكن شيئًا في قلبها أخبرها بأن هذه هي اللحظة التي كانت تنتظرها طوال حياتها. كانت تعرف أنه لا مجال للرجوع الآن. مدت يدها نحو الحجر، وفجأة، شعر قلبها ينبض بشدة، وعينيها تشعان بنور غريب. في تلك اللحظة، اهتز المكان بأكمله، وارتفعت الجدران المحيطة بها، وكأن المعبد كان يفتح لها أبوابًا إلى عالم آخر. الصوت الذي سمعته لم يكن مجرد صوت هزات، بل كان يشبه همسات قديمة، وكأن المكان يتنفس معها.
ومع آخر خطوة، انفتحت البوابة أمامها، وكأن العالم بأسره قد تغير.
"هذه هي بداية رحلتك، علياء." همس راشد في أذنها، بينما كان الضوء يعكس أملًا جديدًا في أعماق عينيها.