أخر الاخبار

قصة كاروت كيك للكاتبة ريما معتوق

قصة كاروت كيك للكاتبة ريما معتوق

 قصة كاروت كيك للكاتبة ريما معتوق

قصة كاروت كيك

كاروت كيك ريما معتوق

قارب المغرب على الأذان وهي لم تُنهي تجهيز كل شيء، أسرعت تخرج المعجنات من الفرن كي يبرد قليلا، ثم لفت باقي الطعام بورق القصدير ليحتفظ بحرارته إلى أن يحين موعد الإفطار، وحدها في المطبخ كعادتها تعد الطعام زوجة عمها أصبحت تلزمها بأعمال المنزل منذ رسوبها المتكرر في المعهد؛ وضعت الخبز على حافة الشرفة ليبرد ثم ذهبت لتنادي على زوجة عمها فقد اقترب موعد المغرب والسفرة جاهزة بكل ما لذ وطاب، قبل أن تطرق على باب غرفة نومها سمعت صوت عمها عالي نسبيا:

_لكنه لن يدفع مهر ومؤخر ابنة أخي ليست رخيصة كي أزوجها بهذه الطريقة المهينة.

عقدت فوزية زوجته يديها أسفل صدرها وردت:

_الفتاة فاشلة في الدراسة رسبت أكثر من مرة، هذا غير شكلها البشع، شعرها الذي لا يفرق عن ليفة غسل الأطباق، لازلت لا أصدق بأن هناك من نظر لها وقرر خطبتها بل إنه شاب جامعي تتمناه أي فتاة، اسمع لقد تحملتها كثيرا لن تضع قرش واحد زيادة عليها يكفي ما صرفناه أولادي أولى.

بدا عليه الحيرة، لتردف:

_من الذي يرفض نوح مختار بالله عليك لو كانت ابنتي أكبر لما تركته يفلت من يدي.

شعرت بأنها باحت بالكثير مع نظرته اللائمة لها لتردف مدعية الطيبة:

_نوح شاب محترم ذو أخلاق عالية، نحن نعرفه منذ كان صغيرا فقد تربى في الحي أمامنا وأهله أناس طيبين، كما أنه يحمل شهادة كبيرة وقد رضي بأخذ ابنة شقيقك بكل عيوبها.

ابتعدت عن باب الغرفة قبل أن تسمع باقي الحديث، فقد جرحها كلام زوجة عمها؛ لكنها شعرت بفراشات ترفرف في معدتها عندما تذكرت بأن نوح قام بخطبتها، هل ما سمعته حقيقة أم أنها تتخيل ذلك، نوح جارهم في العمارة التي تقع آخر الشارع! لطالما كان طيفه يرافقها منذ طفولتها لكن الفرق بينهما شاسع لم تتخيل أن ينظر لها يومًا، صحيح بأنه كان دائما يتبسم لها عند رؤيتها في أي مكان لكنه يفعل ذلك للجميع، بل تكاد تقسم بأنه لا يعرف اسمها حتى، نوح بكل ما يملكه من وسامة وأدب سيرتبط بها هي.

_هبة تعالي هنا يا هبة.

فاقت على نداء زوجة عمها فأسرعت لها حتى لا تسمع توبيخ ومزيد من الكلام الجارح، مرت تلك الليلة دون أن تتحدث معها زوجة عمها أو عمها في الموضوع، ومرت ليلة أخرى بعدها حتى يأست وظنت أنها كانت تتخيل ما سمعته.

🍰🍰🍰

ليلة العيد وهي تنهي تحضير الكعك في أطباق لتوزيعها على الأحبة والجيران كما جرت العادة في تلك المناطق الشعبية، أخبرها ابن عمها الصغير بأن والده يريدها، نفضت يدها من بقايا السكر الناعم واتجهت إليه، طرقت الباب ثم دخلت عندما أذن لها، أمرها بالجلوس فعلت رغم استغرابها من طلبه ونبرته الحانية التي لم تعتدها منه، رجحت الأمر بأنه قرر أن يخرجها من المعهد كما هددتها زوجته عدت مرات بسبب رسوبها المتكرر، أجلى حلقه ثم قال بنفس النبرة:

_هبة يا بنتي تعرفين بأنك غالية عندي لذلك اخترت لك عريس يليق بك ويصونك، تعرفين بأن مصير الفتاة للزواج في النهاية وأنت لم تفلحي في الدراسة لذلك لا داعي للانتظار أكثر.

نظرت له في بلاهة غير مستوعبة ما قاله وردت:

_ها.

عقد حاجبيه، لتتدخل زوجته رادة بنبرة للغضب:

_ابنة أخيك متخلفة سوف تفضحنا أمام الناس اسمع لا خطوبة ولا غير، أنا مع طلب نوح نقيم الفرح الأسبوع القادم لتسافر معه وننتهي من هذه القصة.

لا تعرف هل تفرح أم تحزن؟ شعور غريب يراودها ما بين السعادة التي لم تحلم بها، والتعاسة لأنهم تعاملوا معها بذلك الشكل المهين، ألا يحق لها فرصة في التفكير أو إبداء رأيها، أليس لها الحق في خطبة مثل جميع الفتيات؟! إذًا ما سمعته صحيح هو لن يدفع شيء، عمها باعها لا لم يقم ببيعها بل قدموها كهدية مجانية.

هزتها زوجة عمها لتخرجها من أفكارها وقد نزلت دمعة يتيمة من عينها، فزفرت وقالت بحنق:

_لماذا تبكين الآن؟

نظرت لها لبرهة ثم أجابتها:

_لن يكفيني أسبوع لأجهز شيء أنا أصلا لا أملك أي ملابس تليق بعروس أو مستحضر

لتأتيها الضربة القاتلة عندما ردت عليها فوزية:

_هو يريدك بملابس البيت هذه.

هربت الدماء من وجهها لتقول زوجة عمها محاولة تدارك الموقف:

_غدا آخذك لتشتري بعض الحاجات المهمة والباقي سيحضره لك هو بعد الزواج تعرفين بأنه تخرج للتو ولم يجمع مال كافي ونحن لم نضغط عليه لذلك لن يدفع مهر.

كاد عمها أن يعترض لكن نظرة من عيني فوزية جعلته يبتلع لسانه كي لا يفسد الأمر، مر الأسبوع كأنه ساعة وللعجب لم يأتي نوح لرؤيتها أو حتى التحدث معها على الهاتف، عندما سألت زوجة عمها نهرتها وتحججت بانشغاله وأنه محترم لا يحب تلك الأشياء.

 🍰🍰🍰

يوم الفرح كانت تبكي وتتوسل عمها كي يعطيها مبلغ زيادة لتقوم بمعالجة شعرها ألا يكفي بأنها قامت بتأجير فستان الفرح بدلًا من شرائه، لكن فوزية رفضت رفضا قاطعًا وقالت بحدة:

_هذا ما نستطيع فعله إن لم يعجبك اذهبي بهذه الملابس بدلا من الفستان الذي أجرته لك، هو أصلا لم يجلب لك واحد بل لم يدفع ثمن الإيجار.

انهارت في بكاء مرير خصوصًا بعد أن عرفت بأن زوجة عمها كذبت عليها لم تحضر لها شيء بل حتى ما اشترته من المال الذي أعطاه لها عمها قررت أن تتركه لابنتها، عند المزينة كانت هبه حزينة جدًا لكنها تفاجأت بأن المرأة بدأت في معالجة شعرها دون أن تطلب منها، قالت في خوف:

_ماذا تفعلين أنا لم أطلب منك معالجة شعري؟

لتجيبها ابنة عمها شيماء وهي تربت على يدها بحنان:

_هذه هديتي أردت أن أجلب لك فستان جديد لكن للأسف موعد قبضي للجمعية تأخر.

امتلأت عينيها بالدموع وتركتها تنزل دون اعتراض فهي لم تشعر بهذا الحب منذ مدة طويلة، احتضنتها ابنة عمها بحب حقيقي، لتقول مي شقيقة نوح:

_ابتعدي يا شيماء ماذا تركتِ لنوح؟

انطلقت الضحكات بينهن وقد شعرت هبة أخيرًا بأنها عروس.

🍰🍰🍰

أقيم الفرح في قاعة صغيرة ذات زينة محدودة رغم ذلك كانت هبة في قمة سعادتها وهي تتأبط ذراع فارس أحلامها، نوح الشاب الوسيم الذي خطف قلبها منذ أن كانت طفلة أخيرا أصبح زوجها، في الحقيقة هي لم تتخيل بأنه قد يأتي هذا اليوم أبدا، صحيح بأنها صديقة شقيقته لكن أن ينظر لها نوح أمر لا يصدقه عقل؛ كان نوح ذو طلة رائعة مثل العادة طوله ووسامته لا غبار عليها تلك البدل التي يرتديها كم تليق به، عكس فستانها الذي تبدو فيه مثل البطة وهي بداخله، ما ضايقها انها ليست بتلك السمنة ولا القصر الشديد لكن الفستان أظهرها كقزم ذو بطن كبيرة، منظرهما لم يكن متناسقا أبدا، ولم تبخل الألسنة على إيصال ذلك لها، مر الحفل بسلام على الرغم من برودته ناحيتها، فهو لم يراقصها أو حتى يتبادل معها الكلام، مجرد كلمات عابرة قليلة.

عند دخولهم غرفة الفندق مكان إقامتهم لمدة ثلاثة أيام حتى موعد رحلة للخارج لم يقم بحملها مثل الأفلام والمسلسلات، فقد فتح الباب ودعاها للدخول قبله، تكلم بصوت لا روح به مشيرا باتجاه باب غرفة النوم:

_هذه غرفة النوم يوجد بها حمام غيري ملابسك وتعالي كي نأكل.

ماذا هل يمزح! ألن يقوم بمساعدتها في خلع فستانها؟

رمت عنها الإحباط وفكرت بأنها فرصة كي تبدو أجمل أسرعت تدخل للغرفة وحاولت خلع الفستان دون أن تفسده، بصعوبة فعلت ذلك ثم بدلت لذلك القميص ذو الريش الكثير، لا تصدق بأن زوجة عمها اختارت هذا لتلبسه يوم زفافها؟ لن تستغرب إذا كان أحد قمصان زفافها هي!

تنهدت تبعد عنها الطاقة السلبية، لا بأس لتمر الليلة وبعدها هي من ستختار ملابسها، بدلت بآخر عادي لا يصلح لعروسة لكنه مقبول أكثر من أبو ريش وخرجت له لتجده بنفس ملابسه، قالت وقد شعرت بخجل العروس:

_انتهيت من ارتداء ملابسي يمكنك الدخول لتغير ملابسك إذا أردت.

للعجب لم ينظر لها بل جهز الطعام وقال بنفس النبرة:

_تعالي لتأكلي الآن وبعدها يحلها الله.

رغم جوعها الشديد إلا أن طريقة حديثه أبعدت أي رغبة لديها في الأكل، بالكاد وضعت بعض لقيمات في فمها لكنها لم تقم من مكانها حتى لا تكون فظة، بعد أن أنهى طعامه قام ونظف مكانه ثم توجه للغرفة أما هي بقت مكانها لا تعرف ماذا تفعل، التفت لها في تعجب:

_ألن تأتي؟

نظرت له وقد هالها جمال طلعته وهو يقف أمام باب الغرفة فأجلت حلقها وردت:

_قادمة فورا.

دخلت خلفه للغرفة لتجده جالس يخلع حذاءه ثم دخل للحمام لعدة دقائق وخرج دون أن يغير ملابسه، اقترب منها فشعرت بخوف فطري وعادت للخلف بتلقائيه، همهمت في حرج:

_ألن تصلي أولا؟

نظر لها بطريقة غريبة لم تفهمها ثم هز رأسه موافقا لينفذ لها طلبها.

🍰🍰🍰

بعد ثلاثة أيام في المطار جاءت العائلتان لتودعهما، كانت شيماء ابنة عمها تبكي بحرقة لوداعها كذلك شقيقها الصغير شريف أما عمها وزوجته فلم يبدو عليهما شيء، أما عائلة نوح كانوا لطفاء جدا معها خصوصا شقيقته مي ووالدته التي أخذتها على جنب لتهمس لها بعيدًا عن الجميع:

_أريدك أن تفهمي شيء مهم عن زوجك.

نظرت لها هبة بفضول، لتتابع الأولى:

_نوح شخص هادئ جدا من الصعب عليه فتح قلبه لأحد عليك أن تكوني ذكية وتحاولي كسبه لصفك بعض من الصبر والحنية يجعله مثل العجينة في يدك.

لم تفهم ماذا تعني بالضبط لكنها هزت رأسها بالموافقة، لتبتسم والدته وتردف:

_لم اخترك من فراغ فالجميع يعلم عن حنيتك وصبرك وقدرتك على التحمل متأكدة من مقدرتك على جعله يحبك بسهولة، المرأة الذكية هي التي يعود زوجها مسرعا لبيته.

احتضنتها وقبلتها ثم عادت معها لمكان الجميع، كل ذلك وهبة تفكر في كلامها "اخترتك"؛ إذًا هي من قامت باختيارها ليس نوح! ربما يكون هذا سبب بروده معها، حتى في علاقتهم الحميمة لم يكن متلهفا عليها مثلما توقعت؛ أليس جميع العرسان لا يطيقون البعد عن زوجاتهم خصوصًا في الأيام الأولى؟ لماذا هو بارد معها جدا كأنه يؤدي مهمة رسمية؟، لا تشعر برغبته فيها، لا يقوم بمغازلتها أو تقبيلها أو فعل أي شيء من الذي قرأت عنه في الروايات الرومانسية ورأته في الأفلام والمسلسلات أو حتى سمعت عنه من قصص الجارات؛ هذا هو السبب إذًا، لم تتكلم يومها لم تسأله ولا اليوم الذي يليه ولا الشهر الذي يليه ولا حتى السنة التي تليها، مرت أول سنة بسرعة برتابة يذهب نوح لعمله ويعود عند المغرب ليجد بأنها أعدت له أطباق شهية من الأكل والحلويات، يأكل القليل حتى لا يزداد وزنه، الحديث بينهم محدود لا يحب أن يشاركها عمله حاولت كثيرا دون فائدة.

🍰🍰🍰

بعد سنة حملت وقتها شعرت بالسعادة ربما سيغير الحمل حياتهما لكنها لم تشعر أبدا بأنه سعيد لحملها بل تكاد تجزم بأنه حزين لذلك أو مصدوم، جاء الطفل وتغيرت حياتها معه (يحيى) كم كان يشبه والده بدرجة أسعدتها؛ قررت استغلال الفرصة وطلبت من نوح أن يقوم بدعوة زملائه في العمل وزوجاتهم بمناسبة عقيقة ابنه، في البداية عارض لكنها استطاعت إقناعه بضغط من والدته، كانت الزيارة ناجحة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، فهي طباخة ماهرة ومضيفة لبقة جدا، استطاعت كسب صداقة الكثير من زوجات زملائه في العمل لتكون لنفسها حياة بعيدا عن العزلة التي حبسها بها، وتعرف أخبار عمله بطريقة غير مباشرة، أجادت تعلم طرق صنع الحلويات الجديدة رغم جهلها بلغة البلد لكن ذلك لم يوقفها أبدا، وذلك جعل معظم زوجات زملاء نوح تطلبن منها صنع كعكات وأصناف حلويات مختلفة، في البداية خشيت من رد فعل نوح ثم وافقت على مضض، خصوصا بأنه لم يكن يعطيها أي مصروف شخصي وهي لم تطلب منه من شدة خجلها، كونها تزوجت من دون جهاز مثل باقي العرائس جعلها تشعر بأنها أقل مكانة من أن تطلب منه أي شيء صحيح بأنه لم يكن بخيل لكنه ببساطة لم يهتم ليعرف ما تريد أو ما ينقصها.

جاءت الإجازة وقرروا النزول لرؤية الأهل وحضور زفاف شقيقته مي، استعدت هبة للأمر على مدار أسابيع فقد قامت بشراء الهدايا للجميع كما حاولت إنزال وزنها قدر الإمكان الذي زاد بعد الحمل لتتفاجأ بأنها حامل مرة أخرى، ليأتي رد فعله قاسيا جدا:

_حامل بهذه السرعة؟ ألم تأخذي مانع للحمل؟

أجابت وهي ترتعش من داخلها:

_لأني أرضع ظننت بأن ذلك سيكون مانع طبيعي ثم هذا رزق من الله لماذا أنت غاضب؟

شعر بتأنيب الضمير خصوصا وهو يراها منكمشة على نفسها:

_لست غاضبا كل ما في الأمر أن يحيى صغيرا لايزال يحتاج للرعاية أكثر.

لم تجب عليه فهي نفسها لم تتوقع بأن تحمل بهذه السرعة خصوصًا وأن حملها بيحيى تطلب أكثر من سنة، زفر ثم اقترب منها يضمها إليه في اعتذار غير معلن، قبل رأسها ثم زاد ضمها إليه وقال في مرح:

_الآن أمي ترتاح وأنت تتوقفي عن طبخ الأكل الغريب.

نظرت له في امتنان وقد ارتسمت بسمة صافية على شفتيها.

🍰🍰🍰

بقوا في منزل عائلة نوح عند عودتهم للوطن لعدم انتهاء تجهيز الشقة التي اختارها نوح بعد، كانت هبة أكثر من سعيدة بذلك فهي تحب عائلته جدًا كما أن منزل عمها قريب يمكنها الذهاب لهم كل يوم دون إزعاجهم بالمبيت لديهم؛ ما كدر صفو تلك الرحلة هي زوجة أخ نوح طه فهي تغار منها جدا رغم أنها أجمل منها كما أنها تقرب لهم فهي ابنة خالتهم، عند المساء جلس الجميع يشربون الشاي وقد صنعت هبة قالب الكعك المميز ووزعته عليهم ليتذوقوا باستمتاع، قال طه بعد أن أنهى طبقه:

_الكعكة لذيذة جدا يجب أن تعطي مي الطريقة كي تصنعها لنا بعد ذهابك.

لوت مي شفتيها في امتعاض:

_لماذا أصنعها لك أنا؟ فرحي نهاية الشهر اجعل زوجتك تتعلمها.

ثم نظرت لها بطرف عينها وأردفت:

_اه تذكرت هي لا تجيد صنع البسبوسة حتى.

تغير وجه رحاب وشعرت بالغيرة تحرقها خصوصا وهي تسمع خالتها تمجد طبخ هبة ومهارتها، ابتسمت هبة وقالت بهدوء:

_هذه كاروت كيك تعلمتها مؤخرا طريقتها ليست صعبة سوف أعلمها لرحاب وقد تجيد عملها أفضل مني.

_موت يا حمار ... قالتها مي التي لا تطيق رحاب وحقدها وغرورها

نظرت لها والدتها بغضب لتضع باقي الكعكة في فمها وتقول:

_سكتنا.

وضعت رحاب ساقا فوق الأخرى وقالت بنبرة ذات مغزى:

_بالمناسبة هل عرفتِ جنس الطفل إذا كان فتاة أم صبي؟

هزت هبة رأسها في نفي، لتقول مي في حماس:

_يارب فتاة وعينها نص بني نص أخضر.

ضحك نوح بصوت عال:

_كيف يحدث ذلك؟ من الممكن أن نمرر أمر البني لكن الأخضر من أين تتحصل عليه ابنتي؟

نظر له الجميع بدهشة وتعجب شديد جعله يتعجب ويعيد ما قاله في ذهنه ربما قال شيء مسيء خصوصا مع نظرات هبة التي كانت مذهولة؛ فرصة أتتها لتذل هبة وتريها مكانتها الصحيحة لتقول:

_لا أصدق أنك لا تعرف لون عيني زوجتك يا نوح لم تنظر في وجهها كل هذه السنوات؟

وأكملت بشماتة واضحة:

_طبعًا نوح سوف يطلق عليها اسم جميلة.

شحبت وجوه الجميع مع شهقة عالية من فم مي، أما هبة فلم تفهم ماذا تعني ولا لماذا تغيرت وجوه الجميع، لتقول في استفسار:

_لماذا بالتأكيد جميلة؟

ارتفع حاجبا رحاب في دهشة كاذبة:

_ألا تعرفين القصة القديمة؟ لم أقصد ظننت أنك تعلمين بحكم كونك جارتهم.

عقدت حاجبيها وقد شعرت بأن الأمر وراءه شيء لكن قبل أن تستفسر وقفت والدة نوح وقالت في صرامة:

_طه خذ زوجتك واذهب لقد تأخر الوقت ومنزلك بعيد.

وقف وسحبها خلفه في غل، ألقت رحاب نظرة شامتة عليها.

حاولت مي تشتيت هبة وتغيير تفكيرها حتى لا تسأل عن الموضوع، وأما نوح فقد خرج ولم يعد تلك الليلة، لم تسأل هبة أحد عن الموضوع لأنها عرفت بأنهم يتكتمونه لكنها سوف تعرف الموضوع من مصدر موثوق.

🍰🍰🍰

مرت الأيام وجاء فرح مي، كان كل شيء معد بفرح وحب وسعادة رغما عنها شعرت ببعض الغبطة فهي لم تشعر بتلك الأحاسيس في فرحها، لم يكن أحد مهتم بها ولا بما ترغب أبدا، كانت صالة الفرح رائعة جدا الديكور والزهور وفرقة الزفة والموسيقى وغيره، كل ذلك لم يعني هبة في شيء كانت تنتظر فرصة لتنفرد برحاب حتى تعرف منها كل شيء فمنذ ذلك اليوم ووالدة نوح تبعدها عنها، وجدت الجميع قد انشغلوا في زفة مي فاقتربت من رحاب تبعدها عن التجميع لتتحدث بهدوء، تبعتها رحاب بنفس راضية، أخذت نفس وهي تستعد للسؤال الذي تخشى إجابته:

_من تكون جميلة وما هي قصتها؟

لمعت عينا رحاب بظفر ولم يخفي ذلك عليها ثم قالت مدعية البراءة:

_لا داعي لتقلبي عليك الماضي، عيشي حياتك كما هي أفضل ربما تندمين عندما تفكين الحبل الذي ربطوه حول عينك كي يجرونك منه.

لم تهتم بالإهانة المباشرة التي وجهتها لها بل ردت:

_أريد أن أعرف ولن أخبر أحد بأنك من بحت لي أعدك بذلك.

بابتسامة متشفية لم تستطع اخفائها أجابتها:

_لو لم تحلفي؛ عموما هذه زميلة نوح في الكلية كان يحبها منذ أول سنة له لكن المشكلة أنها من عائلة غنية وذات نفوذ، في السنة الثانية قرر أن يخطبها كي لا يأخذها أحد منه لأنها اسم على مسمى جمال ورقة وأناقة.

صمتت لترمقها من أعلى للأسفل في مقارنة غير منصفة من وجهة نظر هبة ثم لوحت بيدها وتابعت:

_أهل جميلة رفضوا لكنها كانت تحبه وقد وعدته بأنها سوف تنتظره، لتخطب بعدها بعدة أشهر لرجل أعمال يعمل في الخارج.

تحولت ملامحها للحزن مصطنع لتكمل قاصدة إظهار حسرتها:

_كاد نوح أن يجن بل إنه أوقف دراسته لمدة سنة كاملة لولا تدخل خالتي لضاع مستقبله ليعود بعدها للدراسة وقرر أن يتفوق بل يذهب للعمل في أكبر شركة في الخارج تكون المنافسة لشركة زوج جميلة، هنا صممت خالتي على تزويجه؛ قام بإفساد أكثر من خطبة وطبعا لم ترض به أي واحدة من بنات العائلة لمعرفتهن بقصة جميلة وعندما قامت خالتي بترشيحك رفض بشدة بل إنه قال لن يفعلها لتقسم عليه خالتي بأنها ستغضب عليه لو لم يكمل زواجه منك.

كانت هبة ترتعد داخلها وقد هربت الدماء من وجهها لتميل رحاب وتهمس لها:

_لا تغضبي مني لكنه محق أنت فرضت عليه كما أنه يحب جميلة بجنون، أصلا لم يعلم أحد بالخطوبة إلا قبل الفرح بعدة أيام فقط.

ألقت عليها نظرة لتجدها شاحبة وقد اخترقتها كلمات لتنحر روحها وتسبب في ندوب لا علاج لها، أما هبة فقد أعاد عقلها شريط زواجها منذ بداية، برود نوح معها، تتذكر يوم الصباحية بأنها فُوجئت بوالدة نوح تطرق عليهم غرفة باب الفندق مبكرا بحجة أنها أحضرت لهم إفطار عرسان بدلًا من ذلك الذي يقدمه الفندق، وهي في الحقيقة سألتها مباشرة إذا أتم نوح زواجهم أم لا، رغم أنها أجابتها بنعم لكنها أرادت التأكد فأرتها هبة أغطية السرير الذي به دماء عذريتها لتحتضنها باكية؛ يومها لم تفهم سبب ما فعلته لكنها سعدت له، الآن كل شيء اتضح، جميلة ذلك الاسم الذي كان أحيانا ينطق أثناء علاقتهم الحميمة وهي ظنت بأنه يتغزل بها، يالها من حمقاء كان يتخيل نفسه مع حبيبته، شعرت بألم كبير ينتشر داخلها لدرجة لم تستطع معها الوقوف، بحثت عن أول كرسي وجلست عليه وهي تنظر للجميع سعداء يتراقصون على أنغام وجع قلبها؛ زاد الألم ونزل إلى أسفل ظهرها لتشعر بتقلصات أسفل بطنها تزداد حدتها حتى كادت تصرخ، تحاملت على نفسها لتقف وتذهب لزوجة عمها لكنها شعرت بسائل ساخن ينزل بين قدميها، صرخت وهي تمسك بطنها فقد فقدت جنينها للتو.

🍰🍰🍰

بعد مرور أسبوع ذهبت لزوجة عمها مع صغيرها صباحا حتى تتحدث معها دون وجود أحد خصوصا عمها، أخبرتها بكل ما عرفته وحياتها مع نوح، فقد سافر صبيحة زواج شقيقته كما كان مقرر ولم يؤجل بسبب ما حدث لها، فقط غير تذكرتها لشهر آخر كي ترتاح تم توافيه مع صغيرها، أنهت كوب الشاي ثم نظرت لها قائلة:

_حسنا والآن ماذا تريدين؟ لقد تزوجك وانجبتِ منه عليكِ أن تفرحي وتحمدي الله أنه لم يهنك أو يضربك بل يتقي الله فيك ماذا تريدين أكثر؟ أصلا لم نصدق عندما خطبك أنت لا جمال ولا مال ولا شهادة بل إنه لم يكلفنا قرش واحد، لا داعي لأن تسلمي أذنك لسلفتك بل اهتمي بنفسك وانقصي من ووزنك كي لا ينظر لغيرك، زوجك رجل محترم لا تخربي بيتك بيدك.

_ما هذا الذي تقولينه أخبرتك بأنه

قاطعتها بحدة:

_لا تفكري في قصة الطلاق أبدا وأنت لا مؤخر لك ولا شهادة من سيصرف عليك وعلى ابنك؟ زوجك ليس لديه سكن مستقل كي تعيشي به وبالطبع لن نتحمل مصاريفك مع ابنك طوال العمر كما أن ابن عمك كبر لم يعد يجوز بقائك هنا، وسمعتك كمطلقة ستؤثر على ابنة عمك التي تقدم دكتور لخطبتها، عودي لزوجك لا يوجد لديك مكان آخر ولا داعي أن يعرف عمك لأن رده سيكون أقسى مني.

خرجت من منزل عمها بقلب مكسور أكثر من الذي دخلت به، ها قد تخلى عنها أهلها وليس لديها بديل سوى محاولة إمالة قلب نوح لها

🍰🍰🍰

بعد شهر سافرت مع صغيرها لنوح، كان مشتاق للصغير جدا ولها قليلًا وهذا أسعدها، قررت أن تنسى ما سمعته وتعمل بنصيحة زوجة عمها، بدأت في اتباع حمية والمشي لمسافات طويلة مع صغيرها لتقلل من وزنها وقد أتى ذلك بثمار مبهرة في فترة قصيرة، ربما لصغر سنها لا تعرف، كما أنها داومت على دعوة زملاء نوح مرة على الأقل في الشهر ربما يجعله ذلك يتقبلها أكثر، بعد أربعة أشهر في أحد تلك العزائم كان الجميع يتبادل الحديث لتقول مها وهي زميلة نوح في الدراسة وزوجة زميله في العمل:

_سمعتوا جميلة الدالي ستأتي للعمل معنا الشهر المقبل، لم أتوقع أن تفعلها بل تتحصل على مركز مهم بالشركة وهي لم تتعين بعد التخرج.

لترد عليها أخرى:

_هل نسيتي من تكون عائلتها؟ كلهم في مناصب كبيرة داخل وخارج البلاد بمجرد طلاقها كان قرار تعيينها ساريا بل بترقية أيضا.

قال نوح بنبرة بها أمل سمعتها بوضوح:

_هل تطلقت؟ متى؟

أجابه أحدهم:

_منذ شهور، لقد سمعنا بأن حياتها كانت جحيم منذ بداية زواجها.

لتكمل أخرى:

_هناك محاضر شرطة كثيرا ضد زوجها أنه كان يضربها هذا ما أجبره على الطلاق مقابل التنازل عنها.

قال وقد فاض الحزن والغضب من عينيه:

_محاضر ضرب! كان يضربها؟

هنا لم تستطع السكوت أكثر من ذلك:

_من يريد قطعة من الكاروت كيك أخرى؟

تعالت الأصوات:

_أنا

_وأنا أريد قليلا

_لو فتحتِ محل للمخبوزات تكسبين ذهبيا.

تعالت الضحكات ومرت الأمسية بخير، في الليل بقي نوح يتقلب في فراشه دون نوم شعرت به ولم تحاول أن تتحدث معه، عليها التجاهل حتى تعيش.

🍰🍰🍰

شهرين فقط وجاءت جميلة الدالي، لم يخبرها أحد بل تصرفاته من أخبرتها، أخذ إجازة من عمله أسبوع كامل قضاها يساعدها في الاستقرار وإيجاد منزل قريب من العمل وآمن، وغيره من الأمور، استغربت في البداية فهو لم يفعلها عند عودتها مع الصغير بل ذهب لعمله اليوم التالي، حتى عند زواجهم لم يأخذ إجازة بداية في العمل عند وصولهم فورًا بحجة أنه لا يستطيع أخذ إجازة، والآن بات الأمر ممكن، مرت الأيام وهي صامته فقد تراقب تغير تصرفاته، تأخره في العمل، اهتمامه الزائد بشكله، اهماله لطفله، أما لها فلم تهتم لأنها اعتادت على ذلك.

طلبت منها مها الذهاب للإفطار بالخارج، ذهبت في الموعد وجدتها في انتظارها بوجه مضطرب لتشعر بأن الأمر ليس فطور عادي، تبادلت التحية معها في هدوء ثم وضعت صغيرها بقربها وطلبت من القائمة ما تريد دون أن تسأل مها عما بها، بعد أن أحضر النادل الطعام قالت مها بسرعة كأنها تعترف بذنب:

_اسمعي يا هبة صحيح أنا أعرف جميلة من زمن وهي تعتبر صديقتي لكنك طيبة ولم تؤذي أحد وما يحدث لا يرضيني أبدا لذلك سأخبرك وأنت حرة في التصرف.

أخذت نفسا فقد كانت تلهث كمن كان يجري في مارثون:

_نوح وجميلة بينهما علاقة هما تقريبا اتفقا على الزواج.

رغم معرفتها بذلك نوعًا ما إلا أنها صدمت بحق، لم تتوقع بأن يبيعها بتلك السهولة والسرعة، لا تعرف كيف استطاعت العودة للمنزل بعد ما سمعته، أول ما خطر في بالها أن تتحدث مع زوجة عمها لتخبرها بالمستجدات.

جاءها ردها بعد ما سمعته صارم جارح:

_هذا لأنك فاشلة لم تعرفي كيف تجعليه يحبك إلى أن عادت تأخذه منك بكل سهولة.

بصوت مملوء ألم وحسرة ردت:

_لم أدع شيء في مقدرتي إلا وفعلته له، أشعلت له أصابعي شمعا وهو لم يهتم بل لم يشعر بي، إذا أراد الزواج بأخرى فليذهب لن أهتم به بعد الآن.

بحدة قاطعتها:

_من هذا الذي يذهب؟ أخبرتك بأن لا مكان لك عندنا؛ لو تزوج عليك فان العيب فيك تحملي وعيشي لست أول امرأة يتزوج عليها زوجها.

رق صوتها لتتابع محاولة إقناعها كي لا تتصل بعمها وتثير مشكلة:

_قد يذهب لها في البداية ثم يعود لأم ابنه كلهم يفعلون ذلك، أنت عليك إنجاب طفل آخر كي تعلقيه بك أكثر وهذا ما يربط الرجل.

لم تسمع بقية الحديث، كل ما سمعته خذلان أهلها لها مرة أخرى، لتجيب بصوت ميت:

_حاضر زوجة عمي.

أقفلت الهاتف ومعها صفحة أهلها للأبد، عليها أن تجد خطة لتعيل نفسها وابنها فهي لن ترضى بالذل أكثر من ذلك، بعد صراع مع نفسها قررت أن تجد لنفسها طريقة للخروج بكرامتها دون أن تعطي الفرصة لأحد لكسرها مرة أخرى، تعمدت أن تتجاهله في الأيام التالية وهو سعد بذلك فقد كان يأتي للمنزل في آخر الليل، حتى أيام الإجازة يقضيها بالخارج وهي لا تسأل، لماذا السؤال والجواب معروف.

🍰🍰🍰

في الحفلة السنوية للشركة تأنقت وجهزت نفسها لتظهر بشكل يليق به، فعلا كانت جميلة لأول مرة في نظر نفسها، فقد بان عليها فقدان الوزن لتظهر ملامح وجهها الرقيقة، كانت ترتعد فهي ستواجه غريمتها أمام الجميع، عند خروجها من غرفتها كان نوح يجهز خطاب يلقيه عليها كي لا تذهب معه لكنه ذهل من منظرها لدرجة جعلته يفتح فمه بطريقة مضحكة، فقالت بابتسامة خلابة:

_أنا جاهزة هيا بنا نذهب كي لا نتأخر.

لم يجب لثوانٍ ثم حك رأسه وهو عاجز عن إيجاد سبب لمنعها من الذهاب لتلمع عينيه:

_يحيي، صحيح أين يحيى؟

لتجيبه بهدوء:

_عند جارتنا لا تخاف عليه سيقضي الليلة عندها.

ذهب معها دون أن يحاول ايجاد عذر آخر فقد سحرته طلتها، كما سحرت باقي الحضور برقتها وخفة ظلها، لكنها تجمدت عندما اقتربت فاتنة ذات طول وجسد متناسق مثل عارضات الأزياء، شعرها غزير ينسدل على طول ظهرها بلمعان إن دل على شيء فهو دليل على أنه ناعم دون تدخل علاجي مثل شعرها هي، أما عينها فكانتا حكاية أخرى، واسعة بلون أزرق مثل أمواج البحر، لا عجب بأن نوح وقع صريع هواها، ما زاد حنقها هو صوتها الرقيق، هي تنادي على نوح ليذهب إليها ركضًا متناسيا وجودها معه؛ ظلت تنظر لهما، كم هما مناسبان لبعض كل شيء بهما متناغم، فقد كانت ترتدي فستان قصير لا يكاد يصل إلى ركبتيها مع فتحة رقبة واسعة أظهرت بياضها، أما حمالات الفستان عبارة عن خيط رفيع به حبات لؤلؤ ليظهر جمال كتفيها، صحيح بأن لبسها يعتبر متحررا جدا بمقياس هبة وعائلة نوح لكن ذلك لا يمحي بأنها كانت جميلة اسماً وشكلًا، طول الحفلة تجاهلها نوح وقضى وقته مع جميلة أما هي فقد تولت مها وباقي النساء أمر التخفيف عنها، مهما حاولن فقد طعن ذلك أنوثتها بشدة، ربما كانت تود أن تستمر معه أكثر لكن ما فعله جعلها تضع النهاية بسرعة.

عادت للبيت بعد منتصف البيت لكنها لم تنطق بحرف طوال الطريق وهذا جعل نوح يشعر بأن هناك مشكلة، سألها إذا كانت بخير دون أن يسمع منها رد، عند دخولهم للمنزل وبمجرد أن أغلق الباب أسرع يأخذها في حضنه ويحاول تقبيلها، لتبعده عنها بنفور واضح، قالت وهي تبعده عنها:

_ماذا تريد يا نوح؟

شعر بالإحراج ليقول:

_اشتقت لك.

رفعت حاجب وهي تقول بتحدٍ:

_منذ متي تشتاق؟

ليجيبها بحدة:

_ماذا تعني؟ اشتقت لزوجتي ما المشكلة ثم ألم تلاحظي أننا متباعدان منذ فترة؟

ردت بسخرية:

_وماذا لاحظت أيضا؟

فك رباط عنقه وقال:

_ماذا تقصدين؟ منذ متى تتحدثي معي هكذا ماذا حدث لك بالضبط؟

أكملت كأنها لا تسمعه:

_لاحظت أن منذ تسعة اشهر لا أصلي معك؟ وأني فقدت الكثير من الوزن؟ لاحظت أن ابنك بدأ في المشي وقول ماما لكنه لم يقل بابا بعد؟ لاحظت أن عملي في الحلويات كبر؟ لاحظت انكساري منذ عودتي لكني لم أشتكي لك أبدا؟

قسى صوتها وهي تتابع:

_لاحظت أن سمعتك أصبحت على كل لسان وأنت تجري خلف حبيبة القلب متناسيا أنك متزوج؟

ليقول بحدة:

_هبة احترمي نفسك!

دون وعي ردت:

_أنا محترمة غصبًا عن الكل، قل ذلك للتي لفت على رجل متزوج وهي

صفعة نزلت على خدها بقوة أخرستها، ليقول بغضب:

_لا أسمح لك بإهانتها بأي كلمة جميلة ستصبح زوجتي، إذا أردت البقاء على ذمتي ستعيشي مع أمي وأنا سأرسل لك مصروفك ومصروف يحيى وإذا أردت الطلاق سأمنحك إياه.

تركها ودخل غرفتها لتغرق في دموعها، كم تمنت لو كان صغيرها معها لتأخذه في حضنها فيخفف عليها الوجع لكنها لم تستطع أن تذهب لجارتها بعد منتصف الليل خصوصًا وأنها أخبرتها بأنها ستترك الصغير يبيت عندها، فقد تمني نفسها ببداية جديدة مع نوح؛ دخلت لغرفة صغيرها تدعو ربها بأن تنتهي ليلتها بسرعة، في الصباح خرج دون أن يسأل عنها أسرعت لجارتها تحضر صغيرها منها دون أن تعطيها أي تفاصيل، مر باقي الأسبوع وهما يتجنبان بعضهما البعض.

وبعد مرور أسبوع آخر جاء من العمل مبكرا ليجدها تلعب مع الصغير لتجفل من دخوله في غير وقته ويقفز يحيى صارخًا ببكاء حار، حاول الاقتراب منه لكنه اختبأ في حضن والدته فشعر نوح بألم في صدره لكنه تجاهله وهو يجلس على الكرسي المقابل يقول بتوتر واضح:

_اجعليه يصمت هناك كلام مهم يجب أن نتحدث به.

زادت من ضم ابنها لها دون وعي وردت:

_قل ما لديك اسمعك.

حك رأسه في حركة يفعلها عندما يكون متوتر وخائف من أمرًا ما:

_لقد خطبت جميلة من أهلها لأنهم أتوا الأسبوع الماضي لكن والدها رفض.

لوهلة شعرت بالفرح بداخلها ويال غبائها، تابع نوح وقد أشاح بوجهه عنها:

_هو لم يرفض بل كان لديه شرط كي يوافق.

بصوت مرتعش قالت وقد زادت ضم يحيى لها:

_ما هو الشرط؟

كأنه يطلق رصاص ليرديها قتيلة:

_يجب أن أطلقك، قال حرفيا ابنته لا تتزوج مع ضرة.

لم تسأل على رأيه فالجواب واضح مثل قرص الشمس.

استجمعت قوتها لتقول في شجاعة لا تعرف مين أين أتت لها:

_حسنا سوف أعود بعد أن تنهي إجراءات الطلاق وأعيش في الشقة لقد جهزت.

أرادت أن تتابع لكن نظرته لها أوقفتها، يبدو أن هناك مصيبة أخرى، قال بصوت مهتز وقام قام من مكانه يعطيها ظهره:

_لا يمكنك البقاء في الشقة عودي لمنزل عمك سوف أرسل لك المال هناك.

بحذر سألت:

_لماذا لا يمكن؟ أنا أصلا حاضنة وزوجة عمي سبق ورفضت عودتي لهم عندما أخبرتها بما حدث.

نكس رأسه ورد:

_إذًا ابقي في منزل أمي هي أصلا تحبك كما أنها متعلقة يحيى على الأقل أجد حجة كي أراه بها لآنها أقسمت علي ألا تدخلني المنزل لو طلقتك وتزوجت جميلة.

اقتربت منه تمسك بذراعه:

_لماذا لا يمكنني البقاء في الشقة؟

صرخ بها:

_لأني كتبتها باسم جميلة هدية في عيد ميلادها كي توافق على الخطبة.

نظرت إليه بازدراء، أول مرة تشعر بأنها تحتقره، هو فعلا ضعيف ومريض، مريض بجميلة، لتقول بقرف واضح:

_أنت وهي تستحقان بعضكما جدا.

ذهبت لغرفتها دون أن تفسر كلامها وهو لم يحاول أن يتبعها خرج فورًا ولم يعد تلك الليلة ولا الأيام التي بعدها، كانت تفكر في مصيرها بعد عودتها، فزوجة عمها لازالت على تصميمها رغم أن شيماء أخذت صفها لكنهم في النهاية لا يستطيعون فعل شيء، قالت لها بأن تبقى مع والدة نوح كما اقترح عليها فهو المسئول عنها وعن ابنها، كما منعتها بأن تخبر أحد بطلاقها حتى لا تتأثر ابنة عمها، أما والدة نوح فلا تكف عن مكالمتها ومحاولة تطييب خاطرها بكلمات لا تجدي، دق الباب لتفتح وتجد مها أمام الباب، دخلت واجلستها لتعد لها القهوة، ما إن أحضرت القهوة حتى أخذتها مها التي بان عليها الحزن الشديد:

_لا أعرف ماذا أقول قلبي معك منك لله يا نوح كيف يفعل ذلك بعد أن باعته وأهانته وتزوجت غيره يعود لها، فعلا من دون كرامة.

ردت محاولة التغلب على ألمها:

_من فضلك مها لا أريد لأحد أن يهينه أمامي يبقى والد ابني.

هزت رأسها وقالت:

_لا يستحق ظفرك.

لم ترد بل نزلت دموعها وأخبرتها بما حدث وما حدث مع زوجة عمها، كانت أول مرة تخرج ما بداخلها وأسرار بيتها لأحد، أما مها فقد سمعت منها دون مقاطعة حتى أنهت حديثها بالكامل ثم عادت بظهرها للوراء قائلة:

_البقاء مع أمه فكرة غير صحيحة مهما كانت غاضبة منه هي أمه في النهاية سيأتي يوم وتسامحه، في النهاية سيدخل المنزل وبالطبع جميلة معه وهناك احتمال كبير أن تنجب عندها ماذا يكون وضعك؟ هذا غير الحرباء سلفتك لن تتركك وشأنك، لدي الحل لمشكلتك.

_اسعفيني بالحل أرجوك ... قالتها هبة بنبرة الغارق الذي وجد قشة ليتعلق بها.

لترد مها ببطء:

_الأمر يحتاج قوة قلب هل تستطيعين؟

ردت قالت بتهكم:

_سأعمل راقصة في ملهى ليلي.

بحذر قالت مها:

_هو عمل لكن ليس راقصة طباخة.

صرخت فيها هبة:

_ماذا؟

لتجيبها بسرعة:

_اهدي واسمعيني أولا أنا لدي المال وأنت لديك موهبة، الكعكات التي تقومين بعملها رائعة خصوصا تلك الخاصة بالرجيم طعمها رائع جدا بل أفضل من شيفات عالميين كما أنك تفعلين هذا هنا ما الفرق.

هدأت ملامح هبة، لتكمل مها حديثها:

_أنا برأس المال وأنت بالعمل ونقسم الأرباح بيننا، ولو على السكن في عمارة والدي توجد شقة صغيرة هي ليست بالمستوى المطلوب لكنها تؤدي الغرض كما يوجد محل في نفس العمارة ما رأيك.

طلبت مهلة للتفكير في العرض هي فعلا ليس لديها بديل لكن هل سيرضي أهلها وأهل نوح، قبل أن يعترضوا لماذا لم يمنعوا نوح مما فعله، قررت أن تصلى استخارة لتحسم أمرها.

 🍰🍰🍰

مرت ستة أشهر كانت قد استقرت في الشقة التي توجد في عمارة أهل مها، كانت شقة فوق السطح لا تصلح لسكن الكلاب لكنها نظفتها وبقليل من الطلاء وبعض الأثاث تغير وضعها كثيرا، كما أقامت حديقة صغيرة بجانب الغرفة زرعت بها بعض الأعشاب ذات الروائح النفاذة تستخدمها في صنع حلوياتها، أما محل الحلويات الذي اسمته (كاروت كيك) فقد ذاع سيطه وأصبح له زبائن دائمين مما جعلها تأخذ المحل الذي بجانبها وتفتحه لتكبر المخبز وتضيفه له عدة طاولات وخدمة تقديم الشاي والقهوة، وعمها وزوجته رفضا ما فعلته كما رفضا استقبالها في المنزل ولكن شيماء وشقيقها شريف لم ينقطعا عن زيارتها أبدا، كذلك مي شقيقة نوح، والدة نوح غضبت منه في البداية ثم تناست الموضوع خصوصًا بعودة نوح بعد أن تم إنهاء خدمته في الخارج بتحريض من طليق جميلة، فقد حدث مثلما قالت مها سامحته والدته وقبلت به لكنها لم تقبل بجميلة كنة لها أبدا، لم تتأثر لسماع ذلك فقد مسحت أي ذرة حب تجاهه إن وجدت من الأساس، اكتشفت أن ما حملته هو إعجاب أو انبهار لكنه ليس حبا أبدا.

مرت السنوات ولم تنقطع هي عن زيارة جدة يحيى فقد حرصت على علاقة طفلها بأهله حتى والده رغم أنه لم يكن متلهف له، استطاعت بعد فترة كسب رضى عمها وزوجته خصوصا بعد زواج شيماء وشريف لكنها رفضت العودة والعيش معهم، فقد استقلت بحياتها ولن تسمح لأحد بأن يتحكم بها من جديد.

🍰🍰🍰

في عيد ميلاد يحيى الخامس عشر تجمع الجميع في منزلها الصغير الذي اشترته منذ مدة ما عدا نوح الذي تخلف كالعادة، كان الجميع فرحين وقد امتلأ المنزل بالأطفال، أبناء أولاد عمها وأبناء مي وحتي أبناء طه الذي أتى مع رحاب التي تشتاط غيظا منها مثل كل مرة؛ انتهى الحفل وذهب الجميع أما يحيى فقد كان يجلس في الحديقة غاضب بسبب عدم حضور والده.

ربتت على شعره الحريري مثل شعر والده:

_لابد أن هناك سبب مهم تعلم عمل والدك كثيرا.

ليرد بغضب:

_قصدك بأن تلك المرأة منعته أليس كذلك؟

بصرامة قالت له:

_ما هذا الكلام عيب كم مرة أخبرتك بذلك؟

رد بغضب وقد بدأ صوته يتحول للخشونة ببطء:

_لا أعرف لماذا تدافعين عنه؟ ألا يكفي أنه خانك وتركنا نعيش وحدنا طول هذا السنوات؟!

تنهدت ثم جلست مقابل له:

_اسمعني جيدا أولا والدك خانني أنا كما قلت لم يخنك ولم يتركك بل أنا لم أكن أستطيع العيش بدونك وهو لم يحرمني منك بل إنه حتى عندما كبرت لم يطالب بحضانتك هذا أمر يحسب له؛ أنت لديك أب واحد عليك احترامه مهما حدث كما أنك ابنه الوحيد غدا ستكون سند وعون له.

نظر لها بفخر شديد فهي رغم أنها لم تتحصل على شهادات عليا إلا أن كلامها دائمًا صحيح ومنمق، أفضل من أي سيدة حاصلة على أعلى الشهادات.

ابتسم لها وقال وهو يغمزها في مرح:

_تعرفين عم مؤمن أصبح يقلقني أفكر بمنعه من التواجد في المحل، المسكين خمس سنوات يتواجد كل يوم في المحل ويأكل من جميع الحلويات متأكد أصابه السكر، والمشكلة لا أعرف سبب إصراره على محلك بالذات.

احمر وجهها خجلا فضحك وقال بصدق:

_لقد طلب يدك مني ومن خالي شريف للمرة الألف، بصراحة اشفقت عليه لذلك وافقت ما رأيك؟

ضحكت في خجل وقد شعرت بأنها فتاة صغيرة يتم خطبتها لأول مرة، لتقول محاولة إخفاء خجلها وفرحتها في نفس الوقت:

_انتهي من امتحاناتك وبعدها نرى الوضع.

ليرد بعبث:

_ممتاز سأخبره مبروك حبيبتي.

جاءهم صوت نوح من خلفهم وهو يقول:

_مبروك لمن؟

عبس وجهه يحيى:

_أمي ستتزوج بعد انتهاء الامتحانات.

ظهرت الدهشة على وجهه ورفع عينيه لينظر لهبة، لأول مرة يلاحظ بأن عينها خليط بين البني والأخضر الغامق، كم هي جميلة، كيف لم ينظر لها طوال فترة زواجها، وجهها ذو الملامح الرقيقة حتي جسمها لم يكن بالبشاعة التي يذكرها بل متناسق جدا بالنسبة لامرأة في سنها، أي تلك سنها هي لم تتعد السابعة والثلاثين بعد بل قد تكون أصغر يعني انها قد تنجب إذا تزوجت الآن وقع قلبه بين قدميه ثم عقد حاجبيه وقال:

_ستتزوجين حقا؟ انظري لابنك أصبح طولك وأنت تفكرين في الزواج؟

هزت رأسها في يأس وهي تنظر إليه فهو كبر بسرعة، غزا الشيب رأسه كما كثرت التجاعيد في وجهه، رغم أنه لايزال في بداية الأربعينات فقط؛ قالت بهدوء كأنها لم تسمع شيء:

_ماذا تريد أن تشرب أم تأخذ قطعة من الكعكة؟

رغما عنه قال بغيرة:

_هبة لا أمزح أنا أتحدث بجد لن أسمح لك بالزواج ولا سآخذ منك الحضانة.

نظر يحيى لوالدته وهو يرغب في الرد لكنها حذرته بنظرة من عينيها قالت بنفس الهدوء:

_يحيى حبيبي الوقت تأخر اذهب للنوم سترى والدك في نهاية الأسبوع.

قام من مكانه بعدم رضا ودخل للمنزل، أما هي فقد انتظرت دخول ابنها لتلتف له وقالت بصرامة:

_أنت لن تتحكم بي أتزوج أم لا، تريد أخذ ابنك تفضل خذه مثلما قلت أصبح رجل طولي لن أمنعه من الذهاب معك هذا لو سمحت لك زوجتك بذلك.

شعر بلكمة في معدته، يعرف بأن جميلة لن تسمح بذلك هي ترفض حتي أن يقضي نهاية الأسبوع في شقته بل تصر على أن الذهاب لمنزل جدته، فهو دليل خيانته على حد تعبيرها ويذكرها بعدم قدرتها علي الإنجاب، لتقطع أفكاره بكلماتها التي أصبحت قاسية وصارمة:

_الوقت تأخر وأنا سيدة مطلقة لا أريد أن يتكلم عني أحد.

هذه المرة شعر بصفعة على وجهه ليخرج مطأطأ الرأس مطرود من نعيم زوجته وابنه، فهو من تبتر على النعمة ليحرم منها.

 🍰🍰🍰

الخاتمة

بعد سنة ونصف في منزل هبة الذي أصبح منزل هبة ومؤمن ويحيى والصغيرة تمارا، أقيم سبوع لها وكان يحيى الأكثر سعادة بها فهي صغيرة بوجنتين منتفختين لا يمل تقبيلهما، عينيها مثل عيني هبة أما شعرها فهو خشن مثلها أيضا.

قال وهو يقبل الصغيرة:

_لماذا لم تأخذ شعري؟

ضحك الجميع وأجابه مؤمن الذي لم يترك زوجته أبدا بل ظل بقربها خائف عليها أكثر من طفلته:

_هكذا أجمل لم ترى الأصل.

همست عمته مي في أذنه:

_لو أخذت شعرك لن تستطيع صد المعجبين والدتك بشعرها جننت مؤمن ورائها سنوات.

 _سمعتك على فكرة .... قالتها هبة بمرح ليضحك الجميع.

ويقترب مؤمن يقبل خدها بحنان وهو يقول:

_لا حرمني الله منك.

تمت بحمد لله

🍰🍰🍰

تعليقات