أخر الاخبار

رواية جنرال الحروب المغوار


الفصل 1 جنرال الحروب المغوار

جنرال الحروب المغوار


‏كانت مدينة طابا بأكملها في حالة تأهب قصوى.‏

‏حيث هبطت طائرة عسكرية في مطار طابا الدولي.‏

‏اصطف مئات من جنود القوات الخاصة في صفوف منظمة في المطار. كان بحوذت كل جندي جميع معدات القتال.‏

‏لم يستطع أي منهم أن يصرف نظراته المتملقة عن الطائرة التي هبطت للتو. ثمة شعور بالترقب الشديد يسود في الأجواء.

‏خرج الضابط كريم المهدي ونزل على درج الطائرة. كان حذاء المعركة الطويل الأسود الذي يرتديه يصدر صوت صرير مع كل خطوة يخطوها.‏

‏"انتباه!"

‏"مرحبًا!"

‏ارتفع صوت الضابط وجلجل في المحيط بنبرة تعبر عن السلطة والانضباط.‏

‏رفع الجنود أيديهم اليمنى في الوقت ذاته وألقوا التحية معًا قائلين: "مرحبًا بك في مدينة طابا يا قائد!"‏

‏كان هو قائدهم، الذي يدعى فعليًا كريم المهدي، ولكنهم يحبون أن يلقبونه بجنرال الحروب المغوار.‏

‏وذلك لأنه لم يخسر أبدًا معركة في أثناء مسيرته العسكرية المتميزة، منذ يوم التحاقه بالجيش عندما كان شابًا صغيرًا.‏

‏كان سجله حافلاً بالانتصارات المذهلة في السنوات الخمس الماضية، حيث قاد قواته إلى عدة انتصارات مهمة في شرق البلاد.‏

لقد حمى الحدود مرارًا من غزوات العدو. وبفضل عبقريته التكتيكية وذكائه الاستراتيجي، تدين له البلاد بالفضل في السلام والازدهار الذي تتمتع به اليوم.

كان كريم المهدي رجلاً جذابًا طويل القامة ومفتول العضلات. حيث تتلألأ عيناه اللامعتان مثل الماس في ضوء الشمس الباهر.

ومع ذلك، بدا غاضبًا قليلاً. حيث عقد حاجبيه وتمتم لطارق داوود، قائد الحرس الوطني: "ألم أقل لك أن تتوارى عن الأنظار؟"‏

‏رد طارق قائلاً بخجل: "هذا ما كنت أقوله لسلطات طابا، يا قائد. لم أكن أتوقع أن يثار هذا الكم من الضجة".‏

‏"أعِد القوات إلى ثكناتها وأبلغهم برفع حالة الاستنفار وإعادة كافة الأمور إلى مجراها الطبيعي. والأمر نفسه بالنسبة إليك - لست بحاجة إلى ملاحقتي في كل مكان. لدي ترتيبات خاصة بي."

قدم طارق داوود التحية وضرب قدميه في الأرض قائلا!: "عُلم، يا قائد!"

غادر كريم المطار بمفرده، فجأة استحوذت مشاعر غريبة على قلبه، وهو تغيير كبير عن هدوئه المعتاد.

منذ خمس سنوات، عاش في حالة من الذهول والألم بسبب وفاة والدته وكان ينام في الشوارع.

أشفقت عليه فتاة طيبة القلب وحاولت مساعدته. لكن رغباته الوحشية تغلبت عليه ودفعته إلى إجبارها على قضاء الليلة معه.

ولما استيقظ لم يجدها بجانبه.

لقد عاش كريم خمس سنوات صعبة، حيث بذل كل ما في وسعه للعثور على هذه الفتاة. وللأسف كل محاولاته باءت بالفشل. ولم يحصل على المعلومات التي كان يبحث عنها إلا مؤخرًا.‏

‏أخبرته المصادر أن اسمها بسمة سمير، وأنها لا تزال عزباء.‏

لقد أنجب منها ابنة سُميت كاميليا سمير بعد أن أمضى معها تلك الليلة.

‏لقد كان يؤلمه التفكير في الحياة المروعة التي كان عليهما مواجهتها على مر السنوات القليلة الماضية. بسمة، كاميليا، أعلم أن ذلك كان صعبًا على كل منكما.‏

‏الآن بعد أن وجدتكما، أؤكد لكما أنه لن يكون هناك سوى الفرح والسعادة في حياتكما ابتداءً من الآن، وأنا كفيل بذلك. سوف أوفر لكما الحياة التي تستحقانها.‏

‏...‏

‏في غرفة الاجتماعات في شركة ديفا، كانت بسمة سمير تتناقش مع عميلها دياب حامد. وكانت ترتدي بدلة أنيقة وبدت كسيدة أعمال جذابة.‏

‏ومع ذلك، كان وجهها مليئًا بالغضب وهي تحدق في ذلك الرجل السمين الذي يجلس أمامها. ثم دفعته بعيدًا وقالت غاضبة: "معذرة يا سيد دياب، لكن لا يمكنني تلبية طلبك". "أنا لست من النوع الذي يتنازل عن نفسه لمجرد الرغبة في إبرام عقد".

‏وبعدما قالت ذلك، وقفت وتوجهت لمغادرة غرفة الاجتماعات.‏

‏مدّ دياب حامد ذراعيه ليمنعها من المغادرة ثم قال: "لا تغضبي يا سيدة بسمة". ارتسمت ابتسامته السخيفة على وجهه، كذئب بشري يكشف عن أنيابه، قائلاً: "كل ما أطلبه هو أن ترتدي أحدث ملابس النوم التي أصدرتها شركتك للأزواج حتى أتمكن من تخيل شكله على الجسم". وحاول أن يقنعها بنظرة خجولة قائلاً: "فقط إلقاء نظرة خاطفة، هذا كل ما أطلبه!"‏

‏"لماذا لا تقومين بعرضها أمامي؟" "سأقدم عرضًا بقيمة خمسين مليون جنيه على الفور إذا أعجبني ما أراه. هذا هو عرضي، يمكنك قبوله أو رفضه".

‏"بالإضافة إلى ذلك، سأعطيك حصة من ذلك بقيمة مليون جنيه. كيف يبدو ذلك العرض بالنسبة إليك؟"‏

"من فضلك توقف عن مضايقتي واحترمني يا سيد دياب!"

‏صرخ دياب بأعلى صوته قائلاً: "هل تتطلبين مني أن احترمك؟"


"من سيحترم شخصًا مثلك عندما يعلم بماضيك الدنيء، ابنة عائلة سمير؟ كل فرد من أفراد صفوة المجتمع في طابا سيضحك في سريرته على هذا السر المكشوف. توقفي عن التصرف وكأنكِ شخص نقي وعذراء بريئة أمامي!"

انتابت بسمة قشعريرة في سائر جسدها. وشحب وجهها على الفور عندما تحدث عن هذا الحادث الرهيب - الشبح الذي سيطاردها بقية حياتها، والعار الدائم الذي سيشوه سمعة عائلتها إلى الأبد.

مجرد ذكرى ذلك كانت بمثابة تعذيب لها، ولم تتوقع أن يغتنم تلك الفرصة ليدعس على كرامتها.

قالت: "لا أرى حاجة إلى شرح حياتي الخاصة لك"، ثم امتعض وجهها الوسيم واكملت قائلة: "ولقد قررت إنهاء تعاوني التجاري معك. ولم يعد هناك شيء للمناقشة، مع السلامة!

بينما كانت عينيه تحدق في جسدها المغري، لم يستسلم السيد دياب. حيث وجه نظره إلى عينات ملابس النوم الموجودة على الطاولة وهددها قائلاً: "لا يمكن لأي امرأة الهروب مني بمجرد أن أضع عيني عليها يا سيدة بسمة". "لا تلومني إذا أصبحت عدوانيًا بسبب إصرارك على أن تتحديني".

ترددت كلماته في أذني، وفجأة أحاط بي اثنان من حراس الأمن اللذين كانوا يبتسمون بتوجس.

قالت بسمة وهي منفعلة: "ماذا تحاول أن تفعل؟" وكان صوتها مليئًا بالغضب والخوف.

‏ابتسم السيد دياب ابتسامة بغيضة وقال: "أحاول فقط أن أتسلى معك، يا سيدة بسمة. ألا تعلمين كم أعشقك؟"، ثم أكمل حديثه قائلاً: "ولكن بما أنك حمقاء عنيدة، أخشى عليك من استخدام العنف معكِ كي تلبي مطالبي".‏

بينما كان يقول هذه الكلمات، أصيبت بسمة بالصدمة والرعب وارتعشت من الخوف. وفجأة ركضت نحو الباب في محاولة للهروب.

‏أمسك الحارسان بمعصمي ومنعاني من الهروب.‏

‏صرخت بأعلى صوتي: "ساعدوني! أرجوكم ساعدوني!"‏

ارتسمت ابتسامة خبيثة على وجه دياب قائلاً: "ههههه، احبسي أنفاسك يا عزيزتي. لقد اخترت هذا الوقت لاجتماعنا لأن جميع موظفيك قد غادروا إلى منازلهم بالفعل". "يمكنك الصراخ كما تريدين، لن يأتي أحد لإنقاذك".

اغرورقت عيناي بالدموع إذ غمرني اليأس. شعرت وكأنني حيوان محاصر. لم أكن أتوقع أن يكون السيد دياب وحشًا شرسًا هكذا.

‏اقترب السيد دياب منها وعلى وجهه القبيح ترتسم ابتسامة ساخرة وقال لها: "أوه حبيبتي، لماذا تبكين؟ الدفء هنا..." وكان حينها ملتفًا حول بسمة بشبكته القذرة من الحراس التي كانت تحاصر بسمة من كل مكان.‏

‏دوووووووم! تردد صوت ضجيج هائل في الغرفة.‏

تم ركل باب غرفة الاجتماعات بقوة لدرجة أنه انسلخ من المفصلات وسقط أمام السيد دياب حامد ورجاله محدثًا صوت ضجيج، فأصبحوا مصدومين وعاجزين عن الكلام.

‏ثم دخل رجل الغرفة. بدا جسده القوي والمفتول كأنه رياضي محترف، بينما كانت ملامحه الرائعة مناسبة لتزيين أغلفة المجلات. إنه كريم المهدي.‏

‏بدأت بسمة ترتجف عندما رأت كريم - إنه هو!‏

‏كانت تحبس دموعها حتى عندما حاول دياب الاعتداء عليها، ولكن رؤية كريم جعلت دموعها تنهار على خديها.‏

‏ألم حاد أصاب قلب كريم عندما رأى بسمة تبكي مثل طفلة رضيعة، مذيبًا جمود قلبه.‏

‏قبل خمس سنوات، أنقذته بسمة عندما قابلته بالصدفة.‏

‏ومع ذلك، عندما كان في حالة سكر، اعتدى عليها بالقوة وأجبرها على ممارسة الفاحشة معه بدون موافقتها.‏

‏على مدار الخمس سنوات الماضية، لم يتوقف كريم عن البحث عنها.‏

‏كان وجهها يملأ أحلامه كل ليلة؛ إنها بلا منازع أكثر امرأة قابلها لا يمكن نسيانها.‏

‏الآن، بعد أن وجدوا بعضهما مرة أخرى، بدت نظرة غامضة في عيونهما تتحدث بألف كلمة.‏

‏أعاد صوت دياب حامد كل منهما إلى رشده. كانت عيناه مضيقتين ومليئة بالتهديد عندما وجّه كلامه لكريم الذي كان يرتدي ملابس مدنية قائلاً: "من أنت بالضبط؟".‏

‏قال كريم لبسمة: "تعالي معي!" وهو يلوح بنظرة ثابتة عليها. ولم يجب عن سؤال دياب، ولم يلتفت إليه.‏

‏هزت بسمة رأسها بشدة. وكانت دموعها تنهمر مثل الشلالات.‏

‏هذا هو الرجل الذي اعتدى عليها قبل خمس سنوات، مما جلب العار لعائلتها وجعلها محط سخرية في طابا بأكملها. إصرارها على العيش أدهشها - نجت من السخرية والإهانات اللاذعة التي شنها الآخرون عليها.‏

‏ومع ذلك، الرجل نفسه الذي يقف الآن أمامها لم يظهر أدنى قدر من الرحمة تجاه محنتها. أول جملة نطق بها كانت أمرًا متعجرفًا منه بأن تغادر معه. "كيف تراني أيها الأحمق؟"‏

‏كان دياب حامد على وشك السيطرة على بسمة، ولكن ظهور كريم فجأة أفشل مخططه الكبير. عيناه تحدقتنا بغضب بينما ينتفض جسده السمين عندما سمع أن كريم سيأخذ بسمة معه.‏

‏همس دياب بصوت متسلط: "كيف تجرؤ على التدخل في شؤوني، أيها الأحمق!" "جابر، سباعي، أريد منكما كسر ساقيه والتأكد من أنه لن يستطيع المشي مرة أخرى!"‏

‏"عُلم، يا ريس!"‏

‏سن الحارسان الضخمان أسنانهم وانقضوا على كريم المهدي.‏

‏"بوم! طاخ!" بضربتين قويتين، ركلهما كريم وسقطا بشدة على الأرض. قد تكسرت ضلوعهما من شدة الضربة، وتسبب ذلك في تهشم صدورهما. وسقط الحارسان فاقدي الوعي.‏

‏بعد إفقاد الحارسين قوتهما، توجه كريم بخطوات ثابتة نحو دياب متمعنًا فيه بنظراته القاتلة الباردة.‏

‏حاول دياب أن يبدي شجاعته، على الرغم من أنه يعلم أن كريم قد هزمه تمامًا وقال له: "كيف تجرؤ؟ ماذا تعتقد أنك تفعل؟".‏

‏"ألا تعرف من أنا؟ أنا دياب حامد، رئيس شركة حامد!"‏

‏"لا أحد يجرؤ على المساس بي في طابا بأكملها، يعلمون أنني سأضربهم بقوة إذا حاولوا المساس بشعرة من رأسي".‏

‏وقف كريم المهدي أمام دياب ونظر إليه بدون اكتراث قائلاً: "هل انتهيت من هرائك؟"‏

‏اندهش دياب من رد كريم الذي حيث كان يعتقد أن الجميع سيهابونه بمجرد سماع اسمه. لكن هذا الرجل بدا غير متأثر بتهديده.‏

‏وبغير حذر، رفع كريم رجله ودعس بقوة وحشية على ساق دياب حامد اليسرى.‏

‏انكسرت، سمعت صوت انكسار العظم.‏

‏كسر كريم ساق دياب اليسرى، مما جعل دياب يتدحرج ويلتوي من الألم على الأرض، ويصرخ كالمرأة.‏

‏بنظرة لا مبالية، استدار كريم وسار نحو بسمة، التي كانت تراقب الأمر بعينين محدقتين. وقال لها بلهجة لينة: "هل ستأتين معي؟".‏

فردت قائلة: ‏"مستحيل!"‏

‏ثم عضت على شفتيها بقوة؛ فمن المستحيل أن تسامح وحشًا مثله دمر حياتها تمامًا.‏

‏فقال لها: "لقد بحثت عنكِ في كل مكان منذ أول لقاء بيننا قبل خمس سنوات. لن أدعك تبعدين عني مرة أخرى".‏

‏وبعد أن قال ذلك، حملها وسار بها بخطوات ثابتة خارج الغرفة.‏


الفصل 2 لقاء الأب والابنة


‏لم تستطع بسمة الإفلات من بين يدي كريم، وكأنها فقدت قدرتها على المقاومة.‏

‏العلامة الوحيدة على رفضها لذلك هي الدموع التي كانت تنهمر من عينيها.‏

‏عاشت حياتها في السنوات الخمس الماضية كالزومبي، متغافلة الإهانات والذل المتواصل الموجهين إليها. كانت تفكر في إنهاء حياتها عدة مرات هربًا من الألم والبؤس، ولكنها تتراجع في كل مرة حيث يرتسم وجه ابنتها في مخيلتها. بوجود ابنتها كمرساة وحيدة، اضطرت بسمة إلى تحمل الألم والمضي قدمًا.‏

‏كل هذا بسبب هذا الشيطان الذي أفسد حياتها!‏

كريم المهدي هو الشخص الذي جلب البؤس واليأس المتواصل لها ولابنتها.‏

‏أقسمت أنها ستكافح وتعمل بجد وستبقى عزباء طوال حياتها. هدفها الوحيد هو تعويض ابنتها عن المعاناة التي عاشتها من خلال منحها مستقبل سعيد ومشرق.‏

‏لم تكن تعلم أن الرجل الذي بدأ المأساة قبل خمس سنوات وجعلها تعيش أصعب الأوقات في حياتها عاد الآن ليطاردها. كان الأمر كما لو أنه يفرك الملح في جرحها. عند ظهوره مرة أخرى، تذكرت جميع الذكريات المؤلمة التي كانت قد دفنتها منذ فترة طويلة، وأصبحت تطاردها مثل أشباح لا يمكن الفرار منها.‏

‏كم كانت تتوق للراحة. كانت تصلي إلى الله أملاً في الغفران، وتتوسل بإخلاص للسماء أملاً في الخلاص من معاناتها.‏

لم يتحمل كريم الحالة المؤلمة التي كانت عليها بسمة. أنزلها بلطف على الأرض ودعها تقف على قدميها.‏

‏وقال لها: "هل يمكنك أن تعطيني فرصة لأعوضك أنتِ وابنتنا، من فضلك؟"، كان هذا المخلوق قاسي القلب ولم يعرف الحنان قط، ولكنه توسل للمرة الأولى بألطف طريقة ممكنة حتى يتجمع شملهم.‏

‏واستكمل كلامه قائلاً: "من أجل ابنتنا، ومن أجلك أيضًا، من فضلك أعطني فرصة".‏

‏رجفت بسمة بلا سيطرة عندما نطق بكلمة "ابنتنا".‏

‏أعطاها ذلك بصيصًا من الأمل وهي ترفع عينيها ببطء.‏

‏استمر كريم في التوسل بصوته اللطيف: "صدقيني، أعلم مدى الجحيم الذي عشتما فيه خلال السنوات الماضية وأعلم أنك تكرهينني أيضًا، ولكن من فضلك أعطني فرصة لتعويضكما عن ذلك".‏

‏"الأطفال التي تعيش في أسرة من والد واحد أكثر عرضة للمعاناة من الاضطرابات الشخصية، وقد يؤثر ذلك في صحتهم العامة".‏

‏"من فضلك أعطني فرصة، يا بسمة".‏

ظهرت في عيون بسمة مزيج من المشاعر المختلطة وهي تفكر في كلماته. كانت كاميليا تكبر بسرعة وتصبح أكثر حكمة يومًا بعد يوم.‏

‏العائلة بدون أب لا يمكن أن تكتمل أبدًا، ولا يمكن أن توفر شعورًا بالحياة الطبيعية والوحدة للطفل.‏

‏كانت بسمة تشعر بالحزن كلما رأت كاميليا المثيرة للشفقة عندما تطلب وجود والدها.‏

‏ومع ذلك، لم يكن بوسعها سوى أن تتجاهل ذلك وتمسح دموعها لأنها لم تكن لديها إجابة لابنتها العزيزة.‏

‏نعم، كاميليا تحتاج إلى أب!‏

‏الإصرار الذي بدا في عين كريم كان يعزز قناعتها.‏

‏استغرق الأمر وقتًا طويلاً لتقرر، لكنها وافقت أخيرًا، "حسنًا، سأعطيك فرصة لإصلاح العلاقة مع ابنتك".‏

‏"أمنحك هذه الفرصة لأنها تحتاج إلى وجود أب في حياتها. ولكن دعني أحذرك بشدة - لا تفعل أي شيء قد يزعجها".‏

‏"وحتى تكون الأمور واضحة، مجرد أن كاميليا تناديك بأبي فهذا لا يعني أنك زوجي، هل فهمت؟"‏

‏أومأ كريم بتأكيد: "نعم!"‏

‏كان كريم يعلم جيدًا أن بسمة منحته هذه الفرصة للمصالحة مع كاميليا لأنها تريد لابنتها الفتاة الشابة مستقبلاً مشرقًا.‏

‏ربما يستغرق الأمر حياة بأكملها لتسامحه على الألم الذي تسبب فيه لها، وليس أن تأخذه زوجًا لها.‏

‏تلك السنوات المؤلمة التي عاشتها في الصمت قد أنشأت زوبعة خفية داخلها، وخلقت فوضى مميتة من العقد المتشابكة. كان يعلم أنه سيستغرق الأمر وقتًا لفك هذه العقد من الألم والشكاوى.‏

‏...‏

‏في الوقت نفسه، داخل فصل الروضة في روضة طيور الجنة، لم يكن هناك أي معلم!‏

‏كان هناك صبي سمين يرتدي ملابس مصممة له خصيصًا ويتباهى بها بسعادة، ويسحب حبلاً.‏

‏كان طرف الحبل الآخر مربوطًا بعنق فتاة صغيرة تجري خلفه مثل الجرو.‏

شد الصبي السمين الحبل بتمهل وصاح في وجهها: "ألا تعلمين أنك كلبتي يا كاميليا، الكلاب يفترض أن تنبح، افعلي ذلك الآن!"‏

‏زحفت الضحية على أطرافها مثل الجرو، وكان وجهها المتسخ ملطخًا بغبار الطباشير. كانت فتاة صغيرة تبلغ من العمر أربع سنوات تقريبًا.‏

‏تحت الأوساخ والغبار كان هناك وجه محدد جيدًا بملامح جميلة وبريئة لفتاة صغيرة جميلة.‏

‏ظل الصبي السمين يشد الحبل حول عنقها، مما جعلها تتنفس بصعوبة.‏

‏غير راضٍ عن تقاعسها، مازحها الصبي السمين مرة أخرى قائلاً: "كاميليا، أحذرك، انبحي، أو سأجعل الجميع يضربونك. أنت غبية وليس لديك حتى أب..."‏

‏كانت عينيها حمراء، وكانت تبكي بحرقة: "لا، لا تسميني بهذا الاسم، أنا لست هكذا..."‏

‏كان الصبي السمين قاسيًا وغير رحيم فقال لها: "اسمعي، أنا ملك هذا المكان وعندما أقول إنكِ غبية، فأنتِ كذلك. الآن، افعلي كما أقول وانبحي مثل الكلب!"‏

‏ضحك بقية الأطفال على ما رأوه، كما لو كانوا يشاهدون فيلمًا كرتونيًا مضحكًا.‏

‏وصل كريم وبسمة للتو إلى مدخل الفصل.‏

‏رؤية ابنتها مربوطة مثل الجرو جعلتها في حالة صدمة. اندفعت بسمة نحو ابنتها وعانقتها.‏

‏فكت الحبل من عنقها ورمته بعيدًا كما لو كان ثعبانًا مقيتًا. وسألتها بقلق: "ماذا حدث لكِ، يا كاميليا؟" وكانت عينها مليئة بالغضب.‏

‏لم تستطع كاميليا حبس دموعها بعد رؤية والدتها. كالسد الذي انفجر، بكت حتى ارتجف جسدها الصغير، "أمي، قال فارس زيدان إنني غبية وأنه يريد مني أن أنبح مثل الكلب، وإلا فسيجعل الجميع في الفصل يضربوني..."‏

‏ماذا تقولين؟‏

‏كانت بسمة متضجرة، واندفع الغضب في عروقها، مما جعلها ترتجف.‏

‏كانت تعرف جيدًا هذا المتنمر السمين يدعى فارس زيدان. كان دائمًا يضايق كاميليا.‏

‏لقد صُدمت عندما رأت المعاملة غير الإنسانية التي يتعامل بها فارس مع كاميليا.‏

‏عانقت بسمة ابنتها بحنان وهي تواسيها: "لديكِ أب، يا عزيزتي. إنهم مخطئون في تسميتك بهذا الاسم".‏

‏بكت كاميليا وردت وهي تشهق: "لا، ليس لدي أبًا..."‏

‏صاح كريم قائلاً: "لا، يا كاميليا، لديك أب. أنا أبوكِ!" حيث تمزق قلبه عندما سمع صرخات كاميليا المؤلمة.‏

‏توقفت كاميليا عن البكاء ونظرت إلى والدتها متسائلة: "أمي، هل هو حقًا أبي؟"‏

‏أومأت بسمة بشغف: "نعم، هو أبوكِ، يا كاميليا. لقد تقاعد للتو من الجيش".‏

‏"أبي..."‏

‏كانت كاميليا مغمورة بالفرح عندما ركضت نحو كريم، الذي عانقها وقلبه مليء بالحب الغامر.‏

‏بينما كانت ذراعيها الصغيرة ملفوفة حول عنقه، غمرت كاميليا بسعادة بالغة حتى أنها لم تتوقف عن نداءه، "أبي، أبي".‏

‏كان كريم مغمورًا بالحنان وغارقًا في الحب عندما احتوى نحيبها بشغف ومودة.‏

لاحظت بسمة التفاعل بينهما، الذي كان مليئًا بالضحكات والمرح. وارتجفت من الفرحة لأن كل شيء بدا دافئًا ومريحًا، ولكنه كان حقيقيًا بشكل لا يصدق.‏

‏كانت هذه المرة الأولى التي شعرت فيها كاميليا بدفء وحب الأب.‏

‏لا زالت كاميليا بجوار والدها، وكانت تناديه مرارًا وتكرارًا "أبي" حتى أصبح صوتها مبحوحًا.‏

لقد ‏ملأ ظهوره عالمها الصغير بهجة شديدة، مما منحها شعورًا بالفخر الذي لم تشعر به من قبل في حياتها الصغيرة.‏

‏التفتت وسخرت من الصبي السمين قائلة: "انظر هنا، لست غبية، لدي أب أيضًا".‏

‏رد الصبي السمين بسخرية: "إنه ليس والدك. تقول أمي أنك شخص سيء لأن والدتك امرأة عاهرة تمارس الفاحشة مع الرجال. لقد حملت وهكذا جئت إلى هنا. هذا هو السبب في عدم وجود والد لكِ".‏

‏اسودّ وجه كريم عندما سمع تلك الكلمات.‏

‏لم تستطع بسمة أن تتحمل أكثر من ذلك. حذرت الصبي السمين بصوت حازم: "استمع يا صغير، احذر من كلامك. إذا استمررت في أن تكون قاسيًا وغير محترم، سأخبر معلمتك عن ذلك وسأتأكد من أنها ستلقنك درسًا جيدًا".‏

‏صرخ الصبي السمين بخوف عندما سمع ما قالته بسمة.‏

‏"ماذا حدث لك يا حبيبي؟ هل تعرضت للتنمر؟"‏

‏في تلك اللحظة، تردد صوت عالٍ في المحيط كصرخات ساحرة.‏

اقتحمت امرأة بدينة الفصل الدراسي؛ وغضبها واضح لدرجة أنه يمكن تخيل الدخان يخرج من أذنيها. بدت في منتصف العمر وكانت مرتدية ملابس مميزة من الرأس إلى القدمين. الحلي الفاخرة والألماس في أصابعها القصيرة، مما جعلها تبدو متفاخرة.‏

‏كانت تلك المرأة الدنيئة والدة الصبي السمين. وكانت ذاهبة لتأخذه بعد المدرسة.‏

‏في اللحظة التي رأى فيها والدته، أشار الصبي السمين إليّ وصاح: "هي، يا أمي. هي التي تنمرت عليّ وضربتني!"‏


الفصل 3 سيأتي الوقت قريبًا


‏"كيف تجرئين على ضرب ابني يا عاهرة! سأضربك بشدة!"‏

‏دون أن تترك لي أي مجال للتفسير، رفعت السيدة زيدان ذراعها السمينة ووجهته نحو وجه بسمة الرقيق.‏

‏حاولت بسمة أن تشرح الوضع للسيدة زيدان، ولكن سلوكها كان مستبدًا للغاية، حتى وصل إلى حد الوحشية. بدت كالنساء اللواتي يرفعن يدهن بدون تفكير.‏

‏وبسبب الذهول الذي أصابني، لم أتمكن من تفادي الاعتداء في الوقت المناسب.‏

اهتزت ذراع السيدة زيدان من قوة الضربة، وكان كفها على وشك أن يصفع وجهي.‏

‏دخل كريم في الوقت المناسب.‏

‏وكان يمسك بكاميليا في ذراعه اليسرى، ومد ذراعه اليمنى على الفور ليمسك بمعصم السيدة زيدان.‏

‏كان كف السيدة زيدان على بُعد بضعة سنتيمترات فقط من وجهي. ومع ذلك، كان يعلق في الهواء كأنه تجمد؛ فلم تتمكن من توجيه كفها نحوي أكثر من ذلك.‏

‏صفعة! قبل أن تتمكن من صفعي، قام كريم بسحب يده بسرعة وصفعها بقوة على وجهها.‏

‏صفعها كريم كما لو كان يقوم بصفع بعوضة مزعجة. كانت الصفعة ذات قوة هائلة لدرجة أنها جعلتها تفقد وعيها تقريبًا.‏

‏أصبح شعرها المصفف المرتب أشعث الآن.‏

‏نظرت إليه بدهشة وهي تغطي خدها المتورم بيدها. وصرخت قائلة: "كيف تجرؤ على صفعي بهذه الطريقة؟"‏

‏"تستحقين هذا لأنك نموذج سيئ لأطفالك. كيف يمكنك معاملة الآخرين بهذا الاستخفاف، دون أن تهتمي حتى بالاطلاع على حقيقة الأمر؟"‏

‏في هذه الأثناء، عادت المعلمة من استراحتها في المرحاض.‏

‏وكانت مذهولة من هذه الأحداث المفاجئة، واندفعت بسرعة وحاولت تهدئة الجميع، وقالت: "هل أنتِ بخير، يا سيدة زيدان؟"‏

‏لم تتعاف السيدة زيدان بعد من صدمة الصفعة. دفعت المعلمة جانبًا وصرخت بشكل هستيري في كريم قائلة: "أتجرؤ على صفعي؟ هل تود أن تموت؟ انتظر وانظر ما سيحدث لك!"‏

وبعد أن قالت ذلك، أخرجت هاتفها وأجرت مكالمة تلفونية.

‏بعد بضع دقائق، كان هناك صوت صرير إطارات سيارات خارج الغرفة.‏

‏دخلت سيارتان مرسيدس بنز إلى ساحة روضة الأطفال، ودخلتا عبر المدخل بسرعة مذهلة. لقد توقفا فجأة عند وصولهما إلى مبنى الفصل الدراسي.‏

‏نزل من السيارتين خمسة رجال يرتدون ملابس أنيقة.‏

‏كان زعيمهم رجلاً ضخمًا ووجهه مليء بالتهديد والقسوة.‏

‏دخل الفصل بغضب، بجانبه أربعة حراس، وصاح كالوحش الهمجي: "من الأحمق الذي اعتدى على زوجتي وابني؟"‏

‏"لماذا استغرقت وقتًا طويلاً للوصول إلى هنا، يا حبيبي؟" كانت السيدة زيدان في قمة السعادة عندما رأت وجهه. توجهت نحوه متمخضة، ومؤخرتها الكبيرة تتمايل من جانب إلى آخر. "ألا تعلم أنه كان يمكنه أن يقتلنا إذا وصلت متأخرًا قليلاً؟"‏

ألقى الرجل نظرة وحشية في أرجاء الغرفة وسأل: "من الأحمق الذي تجرأ على ضرب زوجتي؟ ألا يعرف من أنا؟ أنا وائل زيدان!

هذا الرجل هو وائل زيدان؟

نظرت بسمة بقلق عندما سمعت الاسم.

فقد كان سيئ السمعة في طابا بسبب ثروته ومكانته، وكان شخصية قاسية وجافة.

‏أشارت السيدة زيدان إلى كريم وبسمة. "هذان هما الزوجان المشينان اللذان اعتدوا علينا، يا حبيبي". وسخرت قائلة: "اجعلهما يعوضاني بمبلغ كبير، أو سأرحل مع ابننا، وأتركك للأبد".‏

‏حدق وائل زيدان بعينيه وسخر قائلاً: "هذا ليس سوى قطعة كعكة بالنسبة إليّ يا عزيزتي. سأصفع المرأة حتى تفقد جميع أسنانها. أما بالنسبة إلى الرجل، فسأقطع يده التي صفعتك".‏

‏صاح الصبي البدين بحماس: "أبي، لا تنس ابنتهما، كاميليا، أيضًا. أريدك أن تضربها لأنها تتنمر عليّ".‏

‏ابتسم وائل زيدان وهو يمسح رأس ابنه قائلاً: "بالتأكيد يا بني. سأربطها بحبل وأجعلها تزحف على الأرض حتى تلهث مثل الكلب".‏

‏كأن كلمات وائل زيدان كانت أجمل ألحان لآذانهما، فرحت زوجته بشدة بينما صفق الصبي البدين بحماسة.‏

‏كان الجميع في روضة الأطفال، بما في ذلك المعلمين والآباء الذين جاءوا لاستلام أطفالهم، يشاهدون برعب من بعيد. كانوا جميعًا يشعرون بالأسف تجاه كريم وعائلته عند سماع كلام وائل.‏

‏كأنه تم رجمه بالحجر - لا يجرؤ أحد على إهانة وائل زيدان إلا إذا كان يفكر في الانتحار.‏

‏حتى بسمة كانت تشعر بالقلق. تقدمت وحاولت أن تشرح الأمر قائلة: "أرجوك اسمح لي أن أشرح لك الأمر، يا سيد زيدان. أنا بسمة سمير من عائلة سمير. هذا كله سوء تفاهم".‏

‏سخر السيد وائل من كلامها وقال لها: "لا يهمني هذا الهراء، لست بحاجة إلى أي تفسير". "لا أحد يجرؤ على أن يتحداني. وما أقوله سيفًا على رأس الجميع".‏

‏"بالإضافة إلى ذلك، ما هي عائلة سمير بالنسبة إليّ؟ لا تضيعي وقتك في محاولة تخويفي بعائلتك الضعيفة هذه".‏

‏"ولا تظني أنني لا أعلم ماضيك المشين أيضًا. أنتِ ابنة عائلة سمير الوقحة، التي فعلت الفاحشة مع الرجال وأنجبت طفلاً بدون زوج. يجب أن تعتبري نفسك محظوظة لأن والدك لا يزال يحتفظ بك في العائلة".‏

‏"كيف تجرؤين على إحضار مثل هذا الغبي ليتنمر على زوجتي؟ سأعلمك درسًا قاسيًا اليوم نيابة عن عائلتك، وسأتأكد من أنه سيكون ألمًا شدي
لجميع القصص من هنا 
تعليقات