أخر الاخبار

رواية مازال للعشق بقية الفصل الرابع بقلم ندي ممدوح

رواية مازال للعشق بقية الفصل الرابع بقلم ندي ممدوح


 رواية مازال للعشق بقية

 الفصل الرابع 

بقلم ندي ممدوح 

الفصل الرابع 

جحر الشيطان 

ما زال للعشق بقية. 


يبقى أثر الزكريات في رُكنٍ جميلٌ في القلب حتى وأن كانوا سُكانها غير موجُدين. 


جلس الصغار يحفظون القرآن الكريم سويًا في غياب خديجة، فما أن فرغا، رفعت أروى عينيها فيهن قائلة في تذكر، مفعم بالحماس : 

- انهاردة عيد ميلاد اسلام و وليد، تعرفوا؟ قالولي هنكلمك طول الليل عشان ندردش سوا، يارب يجوا عشان وحشوني اوي؟ 

تبسمت ملك في صفاء، فقالت لمياء في شغف : 

- وأنا كمان وحشوني هما هيجو امتى؟ 

صرخة.. صرخة عالية شقت هدوئهم وهمسهم وهزت فروع الأشجار حولهم وفرت الطيور مزعورة، صرخة كانت تشي بكارثة حلت، هبت اروى مزعورة قائلة في زعر وخوف : 

- دي ماما. 

ركضت فور جملتها إلى الأعلى يتعقبها الفتاتين، كان يوسف يجلس في غرفتة قد جاء أنفًا من المشفى مبتغيًا الراحة رويدًا، ليتناهى له صوت صراخ سجى، فدون تفكير كان يهرع للأعلى في خوف وجدها تصرخ بهستريا بإسم زين والهاتف في يدها، أروى تقف على عتبة الغرفة تبكي لبكاءها، والصغار جميعًا تأثروا لذلك، بينما مكة تحاول معرفة ما بها. 

قبل دقائق من الآن، كانت تستلقى على الفراش تشعر بالإعياء، ليرن هاتفها بنغمة زين المخصصة، لترد في شغف سرعان ما تلاشت فرحتها وهو يقول في صوت متهدج : 

- سجى! سجى أسمعيني مفيش وقت قدامي.. 

هبت جالسة تتساءل في لوعة وجزع : 

- زين؟! أنت بتقول ايه؟ مالك؟! ليه بتقول كده؟ 

ثُم أستطردت في دهشة وقلق : 

- إسلام و وليد بيبكوا ليه؟ ايه الصوت دا في ايه؟ 

قاطعها زين هامسًا في محبة : 

- سجى أسمعيني أرجوكِ، خلي بالك من نفسك، عيالي وأسراء أمانة عندك أنتِ وياسين خلي بالك منهم ومن نفسك، عائشة أنا عارف أنكم هتهتموا بيها، بس العيال أمانتك يا سجى متسمحيش لحد يأزيهم ولا يأزيكِ. 

لاذت سجى بالصمت أنسابت دموعها متأثرة بكلماته التي فطرت فؤادها، لا تقو على تحريك شفتيها كأن لسانها قد عُقد، صوت ضجة عالية وصراخ وبكاء وأحتكاك سيارة نبئها أن ثمة أمر واعر، تمتمت من بين دموعها وهي تنتصب واقفة : 

- زين ... في ايه؟ أنت روحت فين؟ ليه بتقول كده؟ أنت بخير صح؟ العيال دول عيالي مش عيالك، زين أنت اخويا وابويا وصديقي وكل حاجة، أنا اه لقيت أهلي بس أنت كل أهلي انت واسراء قولي في اي انا خايفة. 

تنهد زين في عمق وأجابها قائلًا وهو ينظر لمن وقف على مرمى بصره مستند على السيارة في إسترخاء وبسمة مظفرة : 

- سجى مش هوصيكِ تاني العيال في أمانتك، قولي لــ للمار تكلم ضياء في أسرع وقت حياتك في خطر!! سجى يا بنتي اي نعم مفيش روابط جمعتنا بس تأكدت من يوم ما شفتك ان الروابط مش بالدم دي بالمحبة يا بنت عمري، هتفضلي الغالية يا أجمل صدف القدر.... 

إنفجار... دوى صوته مع غياب صوته المحبب، لتصرخ بصوت رج المكان رجًا، بإسمه، أخيها الذي لم يكن أخيها؟ أخيها الذي لم تجمعها معه أواصر دم فجمعتهما أواصر الألفة برباط متين سرمدي، رباط جعلها تدرك أن الحب ليس فقط بروابط الدم وأن أحيانًا كثيرة الغرباء يكونوا ملاذ وأهل حقًا، رباط أعلمها أن أوارصر الدم لا شيء إزاء اواصر المحبةً والقلوب، القلوب دائمًا ما تعرف ساكنيها، هكذا دون إنذار، هي فقط تصحو من غفلتها ما أن ترَ ساكنيها، لتهفو الروح لهم ويسكن القلب مرتاحًا أمنًا. 

أخذها يوسف في حضنة يحاول تهدئتها، الآن فقط أحست وعلمت معنى العمى، الآن فقط أسودت الحياة أمامها، فقد رحل نجمها الثاقب الذي كان يضيء عتمة أيامها، رحل تاركًا آياها جسدًا بينما الروح والقلب قد احترقا معه، ذهب مغادرًا دون وداع، وهو الذي كان يحاكيها صباحًا ومساءً ليطمئن عليها أحقًا رحل؟ رحل الذي ألقاه القدر لها مغيثًا، أمنًا، وسعادة، وسندًا، أرحل حقًا لن تراه مجددًا، لماذا تشعر بالضياع واليتم إذًا، قد ترزقنا الحياة بشخصًا يكون الحياة وما فيها وفي غيابه تغيب الحياة ومن فيها. 

أنهارت سجى أرضًا وهدأت صراخها تدريجيًا، كان ما زال يضمها لصدره بكى تأثرًا لصراخها وكلماتها قد مزقت فؤاده لإشلاء، همهم وهو يمسح على رأسها في رفق : 

- سجى.. مالك ياحبيبتي في أي؟ قولي لخالك حبيبك؟ 

لم يأتيه رد فلاذ بالصمت يضمها بشدة إليه يمسد على ظهرها في حنان أب حتى أستمع لصوتها المبحوح يقول في وهن : 

- زين مرحش مش كدا؟ هو مش هيسيب اخته، أخته اي؟ أنا بنته اللي رباها. 

رفعت رأسها لـ يوسف الذي كان مزهولًا من حديثها متعجبًا لا يدري ما حصل: 

- هو مماتش صح صوت الإنفجار دا كان بعيد مش هو، صح؟ أنا ليه حاسة إني يتيمة، حاسة ان الدنيا ضلمة أوي حاسة أني خايفة، أنا ليه حاسة بالضلمة كدا، هو زين مات خلاص؟ عيني اللي اتحرمت منها راحت تاني. 

ذاد بكاء مكة وهي تضم الصغار، ليقول يوسف بدهشة :

- مين مات؟ أنتِ بتقولي ايه؟ إنفجار ايه؟ 

نظر إلى مكة ربما تعلم شيئا ألا أنها هزت رأسها في آسف، فأشار لها قائلًا : 

- خدي العيال دلوقتي ورني على عائشة شوفي في اي؟ وقولي لياسين يجي. 

بقت سجى على حالها، لا تتحرك ساكنة كأن أطرافها شُلت كـ قلبها، وراح يوسف يمسح على شعرها في حنان يتلو القرآن بينما سبحت هي في عالم صنعته لنفسها فقط هناك زين وإسراء شقيقيها الذين جمعتها بهم الصدف،تنادى الأحبة عسى أن يأتوا ، صورته لا تبارح مخيلتها، بلى بالها وقلبها، يا ليت الزمن يتوقف لتظل داخل أحلامها الوردية، كلا تشعر بالوجع ، آه من الوجع ذاك الرفيق لقلبها آهٍ، وآه لفؤادها المكلوم بثغرة لن تداوى، يا ليت قبل رحيلة تسنت لها فرصة لقاءه لتودعه آخر وداع، لتقول له أشياء كثيرة كانت تود قولها، إنهِا أنها أشتاقت له من الآن وفاض القلب حنانًا. لقد غادرها قلبها ونبضة، وهفت روحها لرؤيته، كانت تأمل أن كل ما مر ليس ألا خدعة أو مزحة هكذا كانت تُمنى فؤادها ليصبر، سيعود حتمًا، ما للغائب ألا العودة ذات يوم، المهاجر سيرجع لوطنة فمرارة الغربة بشعة.. موحشة. 

جاء ياسين فورمحادثة مكة له قلقًا خائفًا على محبوبتة، دخل إلى الغرفة بقلب يسبقه وروحًا تهفو إليها، صُدم ما أن رآها في حضن والده منهارة على الأرض شبة جثة في إنتظار نعشها لتتوارى تحت الثرى، ظل محدقًا فيها في صدمة تجلت على ملامحه، غادرها مصحوبًا بضحكتها التي تحية فيعود ليجدها قد غابت مع ضحكتها لتغيب شمسه وقمره، دنا منها بتؤدة هامسًا في نبرة تكاد تُسمع : 

- سجى ... حبيبتي ايه حصلك؟ 

تلك المرة الوحيدة التي لا تجيبه فيها، إنحنى على ركبتيه ينظر إلى ملامحها الوهنة التي غرقها الدمع وعيناها المغلقة في إستسلام وجسدها الذي تهدل كليًا، حرك كفه على وجهها هامسًا بأسمها ألا أنها همست كأنها تحاول أن تستعب ما حدث: 

- زين... زين مات؟! 

تساءل يوسف دون أن ينظر إليه : 

- مكلمتش عائشة او إسراء حتى؟ 

هز ياسين رأسه وهو يتفحص سجى بخوف : 

- بتصل محدش بيرد، هو ايه اللي حصل؟ 

غمغم يوسف بتمنى : 

- يا ريت أعرف! 


☘️ربِ اغفر وارحم وأنت خير الراحمين ☘️


جاءت أسراء ما أن حادثتها عائشة طالبة منها الإتيان سريعًا، كان ذلك ذريعةُ شك في فؤادها، لِمَ سينزُلوا إلى القاهرة اليوم وبهذه العجلة؟ ما الذي حدث جعل زين لا ينتظر؟ 

دنت من عائشة التي تحزم الحقائب في سرعة مغمغمة بضيق : 

- أفهم بقا في ايه؟! ليه زين عايزنا ننزل مصر؟ 

ألتفتت إليها عائشة، مُحركة رأسها يمنى ويسر وهي تُردد : 

- معرفش! صدقيني معرفش! حالته كانت غريبة، صحي بيزعق وبيصرخ وطلب مني أجهز الشنط لحد ما يجيب العيال من المدرسة. 

أغلقت إسراء عينيها في حيرة من أمره، وقد ذاد وجيب قلبها قلقًا، ثم فتحت أجفانها وهي تُردد في خوف وتوتر : 

- ليكون سجى حصل لها حاجة؟ ... دا زين روحه فيها! 

ضيقت عائشة عينيها وهي تُردد بتحريك كتفيها صعودًا وهبوطًا : 

- معرفش!! لكن غالبًا لا لأننا كلمناها بالليل وكانت فُل حتى الحمل تمام مفيش حاجة! 

تنهدت إسراء في حيرة أكبر، وقالت : 

- هيكون ايه اللي حصل معاه بس؟! وبعدين هو تأخر كدا ليه؟ 

جاءها الرد فورًا في طرق قويًا على الباب، لينقبض قلب عائشة فزعة في نغزة قوية شقته وهي تنظر تلقائيًا إلى الباب الخارجي للشقة، لتتبسم إسراء هاتفة وهي تنصرف لفتحة : 

- أهوو زين جه الحمد لله. 

خطت متجة صوب الباب وفي آثرها عائشة ، فتحته ليطالعها وجه صديق أخيها الظابط ضياء مطرق الرأس أرضًا،سرقت نظرة حائرة إلى عائشة قبل أن تنظر إليه مرحبة : 

- أستاذ ضياء حضرتك في حاجه؟ أصل زين مش موجود! 

أغلق ضياء عينيه في قوة كابحًا دموعه كلا تنساب أمامهن، كررت إسراء سؤالها في قلق يذداد، لتتقدم عائشة خطوتين قائلة بقلب بدأت دقاتة مترقبة وجِلة وقد خفت ضرباته : 

- زين كويس صح؟ مفيش حاجه مش كدا؟ 

رفع ضياء بصره إليها بعينين يغشاهما الدمع، ران عليه السكوت أكثر حتى ظنت أن أنفاسه قد سُلبت، في حين صرخة فيه عائشة في جزع، وقد تأكد حدسها أن ثمة أمرٍ ما قد حصل: 

- قول في ايه؟! زين فين وعيالي؟! 

ذاد نحيبها لا إرديًا، في حين كانت تطالعه إسراء في خوف من المنتظر، تمتم أخيرًا ملقيًا قنبلته ليفجرها في قلوبهن : 

- زين.. زين والولاد وهما في طريقهم العربية أتفجرت التلاتة أتحرقوا! 

كـ السهم إندفعت إسراء نحوه ممسكة في ملابسة صارخةً فيه بعدم تصديق : 

- لآ إنت بتقول ايه مستحيل، أنت كداب كداب اخويــــــــا فين؟! 

إتسعت حدقتي عائشةفي صدمة، هل كانَ منذُ قليل يودعها حقًا؟ 

كان على دارية أنه لن يلاقها مجددًا؟ 

هل كان ناويًا الرحيل بدونها؟ 

وكيف لها أن تحي بدونة!؟ دون وجوده، وأمانة، وأحتواءه كيف؟ 

سالت دموع ضياء على وجنتية أثر كلمات إسراء الجارحة، المؤثرة ولكنه أرارد أن يؤكد الخبر حتى يفيقن : 

- زين وإسلام و وليد ماتوا، العربية أتفجرت بيهم، العربية توحي أن مفيش أمل لأي حد يكون عايش لأن العربية بقت رماد! 

أنهى جملته مغلقًا عينية في قوة ليحجب رؤيته لهن بتلك الحالة المؤلمة، رمشت إسراء صارخة فيه بعدم تصديق : 

- زيـــــــــن مين اللي اتحرق أنت كداب امشي من هنا. 

كانت تود أن تكون كلماته مزحة، ولم تخترق فؤادها كـ شرارة تشعلة بنيران لا يمكن إطفاءها ظلت تصرخ ما أن أستشعرت صدق كلماته حتى خرت أرضًا، بآوان ذلك كانت عائشة تهزُ رأسها في عدم تصديق، تتراجع خطواتها للخلف كمن يودُ الهرب من شبح الموت، صورة زوجها وأبناءها تحوم حولها وصدى ضحكاتهم لا يفارق أذنيها، كان عما قليل سيحتفلن بيوم قدومهم للحياة، لكن كيف للحياة أن تأخذهم بهذه البساطة، كيف أستطاعت أنتزاعها من مكمن روحها دون بذرة شفقه، كيف سول لها أخذهم ثلاثتهم سويًا حرقًا كحال قلبها الذي تلظى الآن، لماذا أيتها الحياة تأخذين منا الأحبة، تنتزعيهم منا هكذا دون رحمة؟ أين عدلك لماذا لا تعطينا إشارة بمغادرتهم حياتنا حتى نقتنص من الدنيا لحظات ربما تكفينا لنحيا على ذكرياتها، فـ الزكريات أثرٌ جميل يبقى أمد الدهر لا يطمسه شيء ولا يوارية أحد مهما جار عليه الزمن يظل منبعًا للسعادة ما أن نغلق أعيننا لنستحضر ساكنيها. 

أرتطمت بشيء خلفها لتسترق نظرة سريعة تستند على الأريكة قبل أن تظل لـ هنيهة ترفرف بأهدابها كمن يصحو من كابوس، وبغتة كانت تنطلق ضحكاتها محلجلة المكان بأكمله، لتتعلق بها نظرات ضياء في بَهَت شديد، قهقهت عاليًا قبل ان تقول وهي تؤشر إليه : 

- أنت بتخرف تقول اي بس؟ 

ضربة كف بكف وهي لا تتوقف عن الضحك تحرك رأسها كأنها تشفق على حاله.: 

- يا عيني أنت أتجنيت صح معلش هتخف دلوقتي. 

ثُم رددت وهي تتجه إلى الداخل: 

- عيالي وزين هيرجعوا دلوقتي لازم اجهز الأكل. 

كفكفت إسراء دموعها وهي ترمقها في قلق ونهضت سائلة ضياء ونظرها معلق على عائشة التي تهذي : 

- اي ده هي.. هي عائشة مالها؟ 

هز ضياء رأسه في حيرة وأجاب : 

- مش عارف يبدوا أن عقلها رفض تقبل موتهم ومش مستوعب. 

ثم أستطرد وهو يستدير إليها : 

- أنتوا لازم تمشوا من هنا وجُدكم خطر. 

همت أن تستفسر لكن المصائب لا تأتي ألا على ذِكرها، أستمعا لوقع أقدام تصعد، فخطف ضياء نظرة بأعين متسعة وهو يردد : 

- اللي كنت خايف منه حصل وبالفعل بعت ناس اهم. 

أخرج المسدس من جعبته هاتفًا فيها وهو يدفعها للداخل : 

- ادخلي جوا ومتفتحتيش الباب حتى لو موت. 

لم يعطي لها فرصةً الإستفسار عن شيء أنما دفعها للداخل لتسقط أرضًا على أثرها وأغلق الباب، وأختبئ هو في لمح البصر خلف الدرج فما أن تقدم أول رجل، حتى خرج هو من مخبئة، ملويًا ذراعه خلف ظهره، لاكمًا وجهه، ليدير جسده إلى الأمام متحاميًا فيه ليخترق رصاص زملاءه جسده فردد ضياء ضاحكًا : 

- مفجأة مش كدا مش عيب عليكم تقتلوا زميلكم. 

ألقاه عليهم وقفز هو على الدربزين بمهارة وفي حركة خاطفة كان يقفز على آخر رجل منهم واضعًا مرفقة أسفل عنقة ساحبًا من كفه السلاح، ليطلق عليهم بمهارة واحدٍ تلو الآخر، حتى أستطاع أحداهم دفعه للأمام ليسقط من يده السلاح ويحسروه بينهم، كان ثلاثة رجال ضخام البنية، مخيفي الهيئة، زم ضياء شفتية في حين أسودت عينية بهالة مخيفة وهو يهمس في غضب : 

- لقد قتلتم صديقي يا هذا؟! وأنا لا أرحم من أزى أحبتي. 

أنهى تمتمتة مبتسمًا بخبث، وفجأة لكم من أمامه بعشوائية، وركل من خلفة أسفل بطنة ليميل متألمًا، أم الآخر فقد دفعه ليسقط من أعلى الدرج، تبقى واحد هم أن يبطش به ألا أنه باغتة بلكمة بجوار شفتية، ولكنه تفادى الآخرى منحنيًا ثُم أندفع مطوقًا بطنة دافنًا رأسه في صدره وأنطلق به يدفعه في الحائط حتى خارت قواه، فـ أمسك رأسه ليرطمها في الجدار عدت مرات حتى خر من بين يديه كـ القماشة البالية. 

تنفس الصعداء وهو يضع كفيه في كلا جنبه، وأرتقى الدرج ثم طرق على الباب في عنف لتفتح إسراء التي كادت أن تذوب خوفًا وحزنًا، ليصرخ فيها قائلًا: 

- هاتِ مرات اخوكِ ويلا معايا من غير كلام. 

نظرت له إسراء دون فهم، قائلة في خوف: 

- مين دول؟! عايزين مننا ايه؟ 

ثم أستطردت في ترقب متمهل : 

- هـ... هو زين اخويا أ.. أتقتل؟ 

زفر ضياء في قلق وتحرك للداخل حاملًا الصغيرة برفق وهو يقول : 

- هفهمك كل حاجة بعدين انتوا امانة اخوكِ لحد ما أسلمكم للمار يلا هاتِ مرات اخوكِ. 

كانت عائشة تجلس على طرف الفراش تهزى ، دنت منها إسراء وقالت وهي تساندها على الوقوف : 

- تعالي عشان هوديكِ لزين وللعيال. 

هتفت عائشة وهي تنهض بأعين لامعة رُدت لها الحياة : 

- بجد هنروح ليهم؟ 

أومأت إسراء وهي تواري دمعها وأمسكت بكفها لتسير بها في حذر على خُطى ضياء. 

أخذهن إلى الشقة الماكث بها في أدأء مهمته، لا بُد أن القدر ألقاه في هذا الوقت إليهن لحكمه يعلمها، فتلك المهمة جاءته في وقتها المناسب، ليكون عونًا لأمانة صديقة، ولكن لم يستطع أنقاذه، لم يعلم أن ذاك الرجل سيأخذ روحه بتلك السرعة، يا ليته كان على دارية بذلك. 

_مر يوم بليلته وهن يمكثن في شقة الظابط ضياء الذي كان يغيب ويأتي فقط طارقًا الباب، يسئل أن كانتا يحتجتا شيئًا ويغادر، الحزن يظللهن بظلله تأبى أن تغادرهن، أما عائشة ألا من رحم ربي، تجلس إلى الأرضية تحتضن لعبة صغِريها، تُحاكيها تارة، وتضمها تارة آخرى

لقد صُنعت لذاتها عالمًا من الخيال، مرتحلةً فيهِ من هذا العالم الموجع الموحش دون أحبتها، وثمة هُنالك ما كانت تبتغية أطفالها وزوجها معها لا شيء آخر تُريده، كثيرًا منا يهرب من واقعه إلى دربٌ من الخيال يصنعه لنفسه، ليحيا فيه كما يشاء، ويصنع ما يحلو له، حيث لا ألم ولا خذلان، إذ من يألفهم القلبُ فقط. 

ضمت عائشة لعبة صغارها حيثُ كانت لُعبة تشبه والدًا صغير، وتمتمت في عقلًا قد فُقد : 

- أنت هتنام يا إسلام؟ 

قرفصت و وضعته في حجرها وقالت وهي تُهدهده في رفق : 

- نام يا حبيبي في حضن ماما.. عشان أنوم أخوك. 

قالتها وهي تربت بكفها الآخر على لُعبة شبيها لما في حجرها.

أقتربت إسراء في حالة مذرية، بوجهًا بات نحيلًا هزيلًا من أثر البكاء. وأعين يحُفها السواد يكسوها الأحمرار تمتمت في شفقه : 

- عائشة.. حرام عليكِ بتقطعي قلبي كدا، دول ماتوا خلاص. 

إتسعت حدقتي عائشة وهي تنظر لها في غضب صارخة : 

- محدش مات امال مين دول؟ 

غطت إسراء وجهها بين كفيها تبكي بحرقة، لتتمتم عائشة وهي تهز رأسها في جنون وقد أهتز جسدها : 

- محدش مات! مين مات؟ عيالي جنبي! في حضني، مين مات؟ محدش مات!. 

جثت إسراء على ركبتيها ممسكه بكتفيها هامسة من بين الآمها : 

- خلاص اهدي هما جنبك أهم ومعاكِ. 

تبسمت عائشة في راحة، تنظر إليها في عدم تصديق وقالت وهي تضم اللعبتين لصدرها : 

- ايوه هما جنبي اهم، جنبي.. جنبي.. جنبي.. محدش هياخدهم ابدًا. 

ذاد بكاء إسراء بنشيج ونحيب، وصرخة في ألم، يا ليت الصراخ يطيب أوجاع القلب، يا ليته يعيد الراحلون، لظللنا نصرخ دون توقف ريثما يعودوا. 

علا رنين الجرس فـ كفكفت دموعها واعتدلت بتثاقل لتتهادي ناحية الباب في تعثر بسبب الدوار الذي داهمها، فتحت الباب ليطالعها وجه ياسين الذي نظر لداخل الشقة هاتفًا في ذعر : 

- عائشة فين، هي كويسة؟ 

أفسحت إسراء له الباب مشيرة إليه بكفها للداخل دون أن تنبس فولج ياسين و وقف ضياء بالخارج، تسمر مكانه ما أن رآها تحادث اللعبة هكذا، رمش بعينية يود تصديق ما يرآه، ليدنو بتمهل وحذر متمتمًا بحنو أخ: 

- عائشة حبيبتي. 

رفعت عائشة رأسها إليه في غبطة، وقالت : 

-ياسين.. جيت امتى؟ تعالى.. تعالى شوف عيال أختك الحلوين. 

تقدم ياسين لها مزهولًا، لتقترب إسراء منه هامسة في خفوت: 

- جاريها عشان متنهارش هي لحد الان مش مصدقة لا بكت ولا صرخت ولا عملت اي حاجة. 

اذرد ياسين لعابه في خوف عليها، أومأ لـ إسراء متفهمًا مشفقًا وهمس لها : 

- عائشة تعالي عشان هوديكِ لزين هو نزل مصر. 

صمتت عائشة عن تخاطب اللعبة لتنظر له وهي تهب واقفة تمسك كفه في تعجل : 

- يلا، يلا نروح بسرعة، بسرعة عند زين يلا. 

أدمعت أعيُن ياسين ألمًا وهو يؤمأ إليها، ومضى ينظر إليها في إشفاق، لقد خسر زوجته وأخته في ذات الوقت.. الخسارة كبيرة كبيرةٌ للغاية، والألم أصعب أضنى الفؤاد المتصدع كمدًا. 


🌷إنما أشكو بثي وحزني إلى الله 🌷


كان قد مر شهر، بعد إتيان ياسين إلى القاهرة بـعائشة ووطفلتها وإسراء، لقد أتت عائشة ولكن أين هي؟ 

ربما تجول الطرق تبحث عن صغارها وزوجها؟! 

لطالما تختفي فجأة من بينهم، فما أن يبحثوا حتى يجدوها هائمة في دروب الحياة تسئل كل من تراه عن صغارها! 

لم تعد هي.. اختفت البسمة عن وجهها، تُحادث نفسها ولربما تحادث لعب الصغار، قلبها قد تدمر كليًا بفقدهم، الخسارة شقته شقًا، إذ أن الوجع جاء أشد صعقها صعقًا، ودك روحها دكًا فجعلها شظايا مُتناثرة،فـ أنظر يا الله إلى حال قلبها، قلبها الذي فقد طفليه وزوجها ففقد الحياة، قلبها الذي بات فارغًا من كل شيء إلا من ذكراهم، ألم تمنن عليه بفرجٍ قريب، ولقاء يداوي نداباتة الغائرة، وجبرًا يطيب خاطرها الكليل. 

اما إسراء فقد وجدت ضالتها عوضها الآخر الذي تمثل في سجى، يهونون عن بعضهما ألم الفُقد، كانت تهتم بإبنتة أخيها، ترَ أهتمام ياسين لسجى الذي لطالما تمنته، رويدًا رويدًا بدأ شيءٍ ما يتسلل إلى قلبها، تحن لشخصٍ كـ ياسين الذي لن يتكرر مرتين في هذه الحياة، آنذاك كانت تحسد سجى على حب.. وأهتمام.. وخوف ياسين لها، لماذا هي لا تملك أحد كـهذا وها قد ذهب من كان لها السند. 

كرهت نفسها كثيرًا.. وقلبها لقد باتت حقًا تحب زوج أختها!! 

الحزن غيم على المنزل بغمامة ثقيلة لا تولي، حتى الصغار نال منهم بخسران إسلام و وليد وحزن وتعب سجى الذي إذداد. 

في حديقة المنزل كانت سجى تحمل أبنت زين دارين تُهددها لتهدأ فمنذ حالة عائشة وقد أهملتها، وسجى وإسراء من يهتم بها، إقترب ياسين منها متبسمًا في شوق وهو يتمتم : 

- حبيبي عامل ايه؟ 

أومأت سجى متبسمة وهي تومأ برأسها ليلثم ياسين جبينها ويميل قليلًا ليداعب الصغيرة ويلاعبها، ثُم أنحنى واضعًا كفه على بطنها متستائلًا برفق : 

- وحبيبة بابا عاملة ايه؟ 

ضحكت سجى لسؤاله وهي تجيب : 

- حبيبة بابا بخير طالما هو بخير 

حمل ياسين الصغيره منها مغمغمًا : 

- هاتِ البت دي عنك كدا شوية وأنتِ قعدي عشان متتعببش. 

جلست سجى على المقعد خلفها وجوارها ياسين ليتحادثا، كانت تتابعهما إسراء في أعيُن غائرة، حاقدة، تنوي شرًا ربما، وقد سولت لها نفسها بان تميل ياسين نحوها بإغراه فمهما كان هو متجوز من عميا، لربما تنجح هي على يقين أنها ستنجح، لكنها لا تدرك أن قلب العاشق لا ينبض ولا يرَ غير معشوقه. 

صف حذيفة سيارته أمام البوابة وترجل دالفًا للداخل بخطوات متمهلة، وقعت عينيه على ياسين وسجى فتبسم بإتساع كأنهما لوحةٌ فنية أبدع الراسم في رسمها. تنهد داعيًا لهما من قرارة نفسه، وتوجه نحوهما ملقيًا السلام مداعبًا الصغيرة قليلًا. ثُم أنصرف للداخل وبينما هو في طريقة لمح إسراء، شرودها فيهما بنظرات مفعمة بشرارة غريبة من الغيرة، هذه ليست أول مرة يراها هكذا فمنذ أسبوع وإستعادة وعيها قليلًا وإندماجها على موت أخيها وهي ترمقمها بسخط وحقد، وهو لن يسمح بذلك، لن يتركها للشيطان يتلاعب بها كيفما يشاء، هو يفقه جيدًا ما تعانية بعد فقدان أخيها الوحيد، ولن يجعل حزنها يتغلفها حتى تقع في جب الحياة، أقترب إليها في خطوات سريعة ونادها في خفوت كي لا يلاحظ احد : 

-إسراء.. إسراء. 

ألتفتت إليه شاهقة بزعر من شرودها فطمئنها بعينينة هاتفًا : 

- إهدي، إهدي مفيش حاجة دا أنا. 

أومأت بعينيها وهي تجيب بأقتضاب : 

- الحمد لله. 

إستطرد حذيفة متسائلًا : 

- حابب. أتكلم معاكِ شوية. 

عقدة إسراء ساعديها وهي تستدير قبالته في إهتمام قائلة : 

- طبعًا إتفضل، خير في حاجة؟ 

تلفت حذيفة حولة في حذر، ولم يبصر إسماء التي لمحتهما وتسلل الشك في قلبها وظلت تتابعهما بعينين تنذر بالغضب الأعمى. 

في الوقت الحالي، هتف حذيفة بجدية : 

-- تعالي نقعد الاول هناك كدا عشان محدش ياخد باله. 

أنهى جملته مشيرًا لأحد المقعد في الحديقة المتوارية عن الأبصار. 

فتوجست خفية وهي تحل عقدة مرفقيها سائلة بريبة : 

- ليه! ما تقول هنا؟ 

تنهد حذيفة وهو يضع كلتا يديه على خصره : 

- لأني مش عايز الكلام اللي هقوله حد يسمعه ويتفهم غلط.، فتعالي خمس دقايق. 

في توتر سارت خلفة في قلق حتى جلسا، فتنهد حذيفة تنهيدة عميقة، زفرها دفعها واحدة، وفجر كلامه قائلًا :

- ياسين مستحيل يفكر فيكِ أو يبصلك لأنه مش شايف غير سجى قدامه. 

قاطعته إسراء وهي تهب متنفضة مستنكرة أستنكارًا حادًا : 

- إنت بتقول ايه؟ أنا مستحيل أبص لجوز اختي! 

تبسم حذيفة في تهكم قائلًا : 

- لا يا شيخة والله؟ امال بتبصي ليه عليهم بحقد وغيرة. 

أرتبكت إسراء وتمنت ان تختفى من أمامه وتحاشت النظر إليه ولم تنبس ببنت شفة، فتابع حذيفة زافرًا بضيق، وقال بتريث : 

- بصي يا إسراء أنا هنصحك نصح الأخ لأخته، أنا عارف ومتفهم فقدك لزين سبب أثر وجرح كبير أد ايه مستحيل تطمسه الأيام، وعارف أن وحدتك سببتلك حالة نفسيه وأحساسك بالوحدة خلى قلبك يميل لياسين من حنيته، بس هل إنتِ هتكوني راضية عن نفسك لو كنتِ سبب غياب ضحكة سجى عنها، ووتشتيت العيلة الحلوة دي؟ 

قال آخر جملته حائدًا بعينية نحو ياسين وسجى الذان يتضحكان بخفوت وهما يلاعبا الصغيرة، فنظرت إسراء لما ينظر، إلى ضحكة سجى وفرحتها التي تشع من عينيها فأدمعت عينيها وأنبها ضميرها، في حين قال حذيفة وهو يسلط بصرها عليه مرة آخرى : 

- أنا عارف أنتِ بتحبيها أد ايه ! دي عاشت معاكم اكتر مننا وانتوا كنتوا عيلتها، متسمحيش للشيطان يفرقك عن أختك بأوهام زائفة هتزول مع الوقت، أختك حامل وقريب هتولد وهتبشرنا كلنا بطفلة جديدة تنور حياتنا، متكونيش سبب حزنها، حاولي تجمعي نفسك وفكري بعيد عن ياسين. 

إنسابت دموعها رغمًا عنها وغطت وجهها بكفيها وذاد تحيبها وهي تهمس بحياء : 

-أنا.. أنا والله بحبها اوي اكتر من نفسي بس مش عارفه إزاي كنت، يعني.. يعني أنا مليش القدرة على قلبي أهتمام ياسين بيا بسببها خد حيز في قلبي غصب عني. 

مازال للعشق بقية 

تنهد حذيفة في حزن، وقال متفهمًا في إسهاب : 

- أنا لو مش واثق في حبك ليها مكنتش هتكلم معاكِ وأحاول أوعيكِ وكان هيكون ليا تصرف تاني خالص بس خير احنا في البداية، واديكِ قولتِ بيسئل ويهتم بطلب من سجى، لأنك غالية عليها غير كدا لأ، راجعِ نفسك وفكري في حياتك وخطواتك الجاية، وانا موجود لو أحتجتي أي حاجة اعتبربني اخ تاني. 

نهض حذيفة من مكانة وقال هو على وشك الإنصراف : 

- لو احتجتي حاجة انا جنبك كـ أخ ليكِ في أي وقت، ولكن لو لقيتك عملتِ حاجة هتسبب مشاكل لأخوتي صدقيني هتزعلي اوي، إسراء... حافظي على قلبك للي يستاهله ياسين مش هيكون ليكِ، ولي في قلبك مش حب دا مجرد إعجاب فمتجريش وراء أوهام عن إذنك. 

أنصرف من أمامها وتركها منهارة في البكاء لا تدري كيف سولت لها نفسها تلك الأفكار منذُ أيام، لولا حذيفة لكانت أنصاعت خلف شيطان نفسها بيسر كـ المتغفلة. 

أحيانًا ما يؤذي المرء هو شيطان نفسه.. فيجب الحذر من الغيرة والحقد، يجب أن تطهر قلبك فوالله أن هذه الحياةُ زائلة. 


🥀لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين 🥀


صف رحيم سيارته أمام منزل آل الشرقاوي فور وصوله من السفر، ألتفت برأسه إلى وعد دامع العينيين، باكيًا الفؤاد، جاء على أملٍ نجاتها مما هي فيه، قد سأم من كل الأطباء الذينَ عرضها عليهم دون فائدة، ومل من الأدوية التي دون جدوى. 

جاءه تساءل صغيره عاصم في حماس : 

- وصلنا يا بابا ممكن أنزل عشان كلهم وحشوني؟ 

تنهد رحيم في حيرة ونظر له وتبسم بإيماءه خفيفة سامحًا له بالنزول، ليسرع الصغير في الترجل راكضًا للداخل في شوق، ترجل رحيم بدوره ودار جهة وعد ليحملها بين كفيها و ولج بها للداخل. 

كانت لمار أول من فتح الباب لتستقبل حفيدها في سعادة غير مصدقة، قبلته في فرحة وهو يضمها في شوقًا جم هامسًا : 

- وحشتيني اوي اوي يا ستو. 

ردت لمار عليه في أعين لامعة : 

- وأنت وحشتني اوي يا روح قلب ستو. 

ما همت أن تتساءل عن والديه حتى لج رحيم سائرًا في تيهة، بادٍ عليه العجز، كساه الحزن وران على قلبه. 

مازال للعشق بقية 

لا يدر كيف يخبرها بحالة أبنتها التي باتت كثجة في إِنتظار

أن تتوارى خلف الثرى، قاوم رغبته في البكاءوهو يقف قبالتها مباشرةً، وقال في صوت متهدج حينما بدا عليها الزهول وهي تنظر إلى إبنتها بمقلتين متسعتين : 

- أنا... أنا مش عارف مالها! 

هز كتفيه وإذدرد لعابه مردفًا بصوت متهدج: 

-روحت بيها لدكاترة كتير مفيش أمل، صدقيني معرفش مالها. 

صمت حينما أقتربت لمار تُلامس وجه إبنتها الباهت، الشاحب شُحوب الموتى وقد سالت دموعها بحرقة لا تصدق أن هذه هي وعد فلذة كبدها التي كانت كتلةً من الحماس لا تتوان عن العمل، ما الذي حل بها؟ ماذا فعلت لتخسر أبنتيها في ذات الوقت! 

عائشة أنفًا وها هي وعد في عدام الموتى، صدقًا ماذا فعلت؟ ما الذنب الذي أقترقته أيتها الحياة، مهلًا على فؤادها الواهن لا يتحمل هو كل تلك المصائب جملةٌ واحدة. 

طالعها رحيم في خزى يعلم مدى ألم هذا الأمر العصيب. 

يعلم معنى العجز عن أنقاذ أحبتك؟ 

يعلم جيدًا تلك النغزة الساحقة المميتة. 

هزت لمار رأسها في إستنكار وقالت وهي ارفع رأسها إليه : 

- مين دي؟ دي مش وعد! أنا بنتي مستحيل تقبل أنها تكون ساكنة كدا من غير حركة، مين دي؟ 

أطرق رحيم رأسه هاربًا من عينيها المحدقة به، مداريًا دمعه الذي هوى قُسرًا، قال دون أن يرفع رأسه : 

- سامحيني، بس معرفش مالها فقولت اجبها ربما يوسف يقدر يعرف مالها هو دكتور كويس ويعرف دكاترة كويسه عشان كدا جبتها. 

إستمعا إلى صوت عائشة التي دنت قائلة وهي تحادث اللعبة التي بيدها : 

جحر الشيطان 

- إسلام يا حبيبي شوف خالتو وعد جت، خالتوا جت، خالتو جت، مش إنت بتحبها. 

طالعها رحيم مزهولًا،إذاد قلب لمار كمدًا وضحكت في ألم قبل أن تشهق باكية هامسة في حسرة : 

- هو أنا عملت ايه عشان أتوجع الوجع ده كله في بناتي التلاتة؟ 

أشارت بكفها له مردفة : 

- طلعها أوضتها لحد ما أقول ليوسف ونشوف في ايه؟ 

انفطر قلبها ألمًا على ما يحدث لبناتها، وتابعت رحيل رحيم بفؤاد اضناه الألم، وعينين غائرتا بالدمع، وبينما رحيم يرتقي الدرج، إذ بيوسف أمامه عاقدًا حاجبيه في دهشه، متسمرًا أعلى الدرج في زهولٍ تام، غمغم في تساؤل متعجب : 

- رحيم، اي ده مال وعد؟ 

أجاب رحيم وهو يقف امامه : 

- جتلك عشان تعرف مالها! 

رمش يوسف وهو يتاملها في حيرة، ممزوجة بالألم، ما هذه الحالة التي تعتريها؟ 

أشار إليه ليدخلها الغرفة، فأمتثل فورًا وبدأ يوسف في فحصها، وقد أخذها للمشفى لعمل كافة الفحوصات. 

كانت الأيام تمر ولا تمر، فـ كل شيءٌ يمُر إلا الحزن والعجز عن فعل شيء للأحبة، الفحوصات جيدة ليس بها شيء، بقلب مثقلٌ بالهموم جلس رحيم على ركبتيه، باكي العينين، متشقق الروح، معانقًا كف وعد في راحتيه، محتضنًا أياها في عينية، هامسًا بنبرة ملؤها الحزن، مُتهدجًا : 

- وعد، يا نور عيني مفكيش اي حاجة! طب مالك أنتِ ليه بقيتِ كدا؟ فيكِ اي؟ 

أسند رأسه على كفها، محررًا دموعه الحبيسة من مقلتية، علها تُهدأ مما ألَمّ به. 

غُمة مضنية مثقلة بالوجع غطت افئدة الجميع الصغار والكبار، وأحتواهم الظلام وغلف قلوب، وبصيص أمل بالثقة في الله يتسرب إلى الشرايين. 

تجمع الجميع جالسون يتناقشون في حالة وعد الغريبة، بادر يوسف مردفًا في تنهيدة عميقة مثقلة بالألم على ما حل بأبنت اخته التي هي أبنته ايضًا : 

- التحاليل الإشاعات كويسة مفيهاش أي حاجة ولا اي مرض كلها سليمة واعضاءها كذلك. 

أحتدت نبرة رحيم وهو يقول في غضب : 

- يعني ايه؟! إزاي مفيهاش حاجة؟! دي حرفيًا لا بتتكلم ولا بتتحرك وكـ

تهدج صوته واستأنف في ثقل : 

- كإنها مشلولة! 

زاغت عيني لمار في وجع وهي تتسائل : 

- من امتى وبنتي حصل لها كل ده؟ 

ضم رحيم وجهه بيدية في هم، وقال : 

- مش بعيد من شهر كدا أو اكتر شوية. 

تنهد ادهم قائلًا في أمل : 

- بنتي هتخف وهترجع احسن من الاول، الحكاية حكاية وقت بس يمكن عندها حاجة او مرض........ 

قاطع حديثة صُرخت وعد التي رجت المكان رجًا. 

لفظ رحيم بإسمها وهو ينتفض واقفًا مهرولًا للأعلى وفي اثره الجميع. 

أندفع رحيم للغرفة بمقلتي متسعتين وهو يراها تتنفس في سرعة وكإنها في سباق، مغلقة العينين تصرخ بهستيريا، تنتفض ترتعش، تحرك رأسها يمينًا ويسارًا كان يظهر عليها الإختناق وهي تتحرك بعنف كمن يود النجاة من كف قابض على عنقها،و هي بالفعل كذلك. 

تحرك نحوها ضمها بشدة محاولًا تثبيتها، بينما كانت خديجة تقف في آخر الغرفة محدقة فيها بصدمة، بقلبًا مرتجف، سألتها لمار مستفسرة :

رواية مازال للعشق بقية 

- خديجة.. في ايه مال وعد بتصرخ ليه؟ 

ظلت خديجة على حالها تستعيد رباطة جأشها، ثم نظرت إليها وقد سال دمعها وقالت بصوتًا خفيض : 

- معرفش والله انا كنت قاعدة جنبها عادي فجأة لقتها بتصرخ كدا! 

أستمعا لصوت عائشة التي تقهقه وهي تقول للعبة بيديها كـ الصغار: 

- شفتوا خالتوا بتصرخ إزاي، هييييه، تعملوا زيها. 

نظرت لها لمار بألم وأطبقت اجفانها في تحسر، بينما توجهت خديجة لتخرج ليقع بصرها على عاصم الواقف على عتبة الغرفة، مسند رأسه على الباب ينظر لوالدته باكيًا بقلبٍ منفطر، فأسبلت خديجة عينيها وذاد بكائها فهرعت إليه تضمه مواسية. 

ضم أدهم لمار لصدره مهاونًا ونظراته مسلطة على ابنته التي سكنت تمامًا وغفت على ما يبدوا. 

شاء القدر ان يضعها على مفترق طرق، وكلاهم فيه وجعٍ أشد ولا بٕد لها ألا أن تعيشه وتمر منه، ربما تخرج منه رابحة، او خاسرة ولكن في كلا الحالتين لن تكون على ما يرام سيتهشم قلبها الرقيق حتمًا، فيبدوا ان القدر قد اقسم على ان يذيقها مرارة حرمان الأحبها ويوجعها فيهم. 


أحداثٌ قادمة ستقلب حياة الجميع رأسً على عقب، موجة عاتية ستهب لتمحو كل وتد ثابت، ربما قد ينجو احد وربما لا، ولكن ان نجوت أعلم أنها رحمة من الله. 

ما مر ليس بشيء امام القادم فـ القادم لا يخطر على بال احد. 

ماذا ستفعل لمار لتنقذ وعد مما هي فيه؟ 

هل خسرت عائشة حقًا كل عائلتها في طرفة عين؟ 

ما مصير عائشة وياسين امام حبٌ وُلِد داخل فؤادٌ محروم. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

عن جابر رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (( يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيهِ )) رواه مسلم

ــــــــــــــــــــــــــــ

سؤالنا النهاردة «من قاتل أمية بن خلف ؟» 

ترقبوا القادم من.... 

رواية جحر الشيطان 

رواية ما زال للعشق بقية

#ندى_ممدوح 

ــــــــــــــــــ


  1. الفصل الخامس من هنا 

تعليقات