رواية أويكاثوس الفصل العاشر بشري إياد
أويكاثوس الفصل العاشر بشري إياد
أويكاثوس
البارت العاشر
وسط الظلام الحالك والدخان المتصاعد، كانت ليارا تلهث بعد قتالها الأخير، يدها التي أمسكت بالقوس كانت مرتجفة قليلاً، لكن عقلها ظل متيقظًا، شعرت بنظرات داريوس تخترقها، وعندما التفتت إليه، وجدت في عينيه شيئًا لم تتوقعه مزيج من الإعجاب والتقدير.
داريوس بصوت هادئ:
- لم أتوقع أنكِ ستتخذين قراراً بهذه السرعة، ليارا.
ليارا بتنهيدة:
- لم يكن هناك وقت للتفكير فقط للفعل.
اقترب منها خطوة، بينما كانت أصوات القتال تبتعد قليلًا، للحظة، بدا وكأن العالم بأسره توقف حولهما، رفع يده ولمس كتفها بحذر.
داريوس بصوت منخفض:
- عندما ينتهي هذا هل سأجدكِ ما زلتِ هنا؟
نظرت إليه، وداخلها صراع لم تكن مستعدة له، لكنها لم تتهرب من الإجابة.
ليارا بابتسامة خفيفة:
- إذا نجونا سنرى.
***
في زاوية أخرى من القصر المنهار، كان فالكر يقود مجموعة من المحاربين لإخلاء ما تبقى من المدنيين والجنود المصابين، كانت كيرا على الأرض، تنزف بعد طعنة غادرة من إيفان، لكن رغم الألم، أبقت عينيها مفتوحتين، وكأنها ترفض الاستسلام، ركع فالكر بجانبها، ورفع رأسها بيديه، بينما نظر إلى جرحها العميق.
فالكر بقلق شديد:
- لا تموتي، كيرا لا تفعلي هذا بي.
ابتسمت رغم الألم، وعيناها تتعلقان بعينيه كما لو كانت المرة الأخيرة.
كيرا بصوت ضعيف:
- لا تقلق أنا أقوى من أن أموت هكذا.
لكنه رأى الحقيقة في عينيها كانت تخوض معركة خاسرة.
فالكر بصوت مختنق:
- كيرا، أرجوكِ لا تتركيني الآن.
مدت يدها ولمست وجهه بلطف، ثم همست:
- إذا متُّ، لا تجعلني مجرد ذكرى.
عندما حاول أن يرد، سقط رأسها على كتفه، فاقدة الوعي، بينما كان النزيف يزداد.
في الممرات الخلفية للقصر، كانت إليانا تتسلل بخطوات سريعة، قلبها يدق بجنون، لم يكن يجب أن تكون هنا، لم يكن يجب أن تخونهم، لكنها فعلت، عندما دخلت الغرفة السرية، وجدت إيفان ينتظرها، عيناه تحملان انتصارًا مخيفًا.
إيفان بابتسامة باردة:
- هل قمتِ بما طلبته؟
ترددت للحظة، ثم أومأت برأسها.
إليانا بصوت مرتجف:
- لقد قمت بفتح البوابة السرية كما طلبت.
اقترب منها، ورفع يدها إلى شفتيه وقبَّلها برقة، لكنه تمتم بهدوء خطير:
- أحسنتِ لكن لا تنسي، إليانا، الخيانة مرة واحدة تعني أنكِ لن تعودي أبدًا كما كنتِ.
شعرت بقشعريرة تجتاح جسدها، لم يكن هذا ما أرادته لم يكن هذا ما تخيلته.
*** في أعلى البرج، وقف داريوس و ليارا يراقبان المدينة وهي تشتعل، وبينما بدا وكأن الحرب قد اقتربت من نهايتها، كان كلاهما يدركان أن الأسوأ لم يأتِ بعد، ليارا بصوت عميق:
- أشعر أن هذه مجرد بداية.
نظر إليها داريوس للحظة، ثم قال ببطء:
- أحيانًا، النار التي تحرقنا هي نفسها التي تكشف الحقيقة.
***
كان القمر يطلّ خجولًا من بين سحب الدخان المتصاعدة، بينما كانت ليارا واقفة على شرفة القصر المحطم، تنظر إلى المدينة الغارقة في الفوضى، أصوات المعارك قد هدأت قليلًا، لكن التوتر لم يختفِ، كان في كل نفس تتنفسه، خلفها، سمعت خطواتٍ ثقيلة، لم تكن بحاجة للالتفات لتعرف أن داريوس هو القادم، كان حضوره دائمًا يشبه عاصفة صامتة، مشحونة بشيء يصعب تحديده.
داريوس بصوت هادئ لكنه قوي:
- لم تنامي بعد؟
لم ترد مباشرة، فقط أغمضت عينيها للحظة وكأنها تجمع شتات أفكارها، ثم قالت ليارا بصوت خافت:
- كيف ينام المرء عندما يكون العالم من حوله يحترق؟
اقترب منها حتى أصبح على بعد خطوة واحدة، صوته كان أكثر هدوءًا هذه المرة.
داريوس: أحيانًا، نحتاج للنوم حتى نستطيع الاستمرار.
نظرت إليه أخيرًا، والتقت عيناهما وسط العتمة، للحظة، لم يكن هناك حرب، لم يكن هناك خوف، فقط صمت محمّل بأشياء لم تُقال بعد.
ليارا بابتسامة خفيفة:
- هل هذا ما تفعله؟ تنام لتستطيع الاستمرار؟
اقترب أكثر، حتى أصبحا وجهًا لوجه، كانت المسافة بينهما ضئيلة، لكن الشحنات التي ملأت الهواء جعلت كل شيء يبدو وكأنه على وشك الانفجار.
داريوس بصوت منخفض، لكنه عميق:
- أنا لا أنام، ليارا لكني أجد القوة في أشياء أخرى.
لم تسأله عن ماذا يقصد، لأن عينيه قالتا كل شيء.
***
بين أزقة المدينة المدمرة، كان فالكر يحمل كيرا بين ذراعيه، جسدها كان باردًا، لكن قلبها ما زال ينبض، وهذا كل ما يهم.
فالكر بصوت مختنق:
- تمسّكي لا يمكنكِ الرحيل الآن.
فتحت عينيها ببطء، نظرتها كانت ضبابية لكنها ابتسمت رغم ضعفها.
كيرا بهمس متعب:
- فالكر هل تخاف علي؟
توقف لثانية، عيناه التقت بعينيها، ثم تمتم بصوت لم يخلو من الاضطراب:
- أكثر مما تتخيلين.
رغم الألم، ضحكت بخفوت.
كيرا: إذن، ربما يستحق الأمر البقاء على قيد الحياة لأرى ما يعنيه ذلك.
شدّ قبضته حولها، وكأنه يحاول أن يمنعها من الرحيل بقوة إرادته فقط.
***
في أعماق القصر، وقفت إليانا أمام إيفان، نظرتها كانت مزيجًا من الخوف والشك.
إيفان ببرود:
- لقد فعلتِ ما طُلب منكِ لكن هل أنتِ مستعدة للعواقب؟
لم تجب، فقط عضّت شفتها بتوتر.
إيفان بابتسامة زائفة:
- لا تقلقي، إليانا الخيانة الأولى دائمًا هي الأصعب، بعدها يصبح الأمر أسهل.
لكنها لم تكن متأكدة إن كانت ستتمكن من العيش مع هذا الذنب الذي بدأ ينهش روحها.
***
على سطح القصر، وقف داريوس وليارا يراقبان الأفق، كانت المدينة تئن، والحرب لم تنتهِ بعد، لكن كان هناك شيء آخر في الأفق شيء أكثر ظلامًا.
ليارا بصوت خافت:
- أشعر أن هذا ليس سوى البداية.
نظر إليها داريوس للحظة، ثم تمتم:
- أحيانًا، ما نظنه نهاية يكون مجرد بداية أخرى.
***
الليل كان ثقيلاً، كأن السماء رفضت أن تبزغ عنها الشمس مجددًا. أصوات المعارك هدأت، لكن رائحة الدخان ما زالت تخنق الهواء، وكأنها ترفض المغادرة.
في قاعة القصر شبه المهدمة، كانت ليارا جالسة قرب النافذة المحطمة، تتأمل المدينة الغارقة في الرماد، بجانبها، وقف داريوس متكئًا على الجدار، عيناه مثبتتان عليها، كأنه يراقب كل نفس تأخذه.
داريوس بصوت هادئ لكن حاد:
- أنتِ تفكرين كثيرًا.
لم تلتفت إليه، فقط همست:
- وهل لدينا خيار آخر؟ عندما ينتهي القتال ماذا يبقى لنا؟
صمت للحظة، وكأن كلمتها اخترقت شيئًا عميقًا داخله، ثم اقترب بخطوة واحدة، صوته انخفض أكثر، لكنه كان أكثر وضوحًا:
- ما يبقى لنا هو ما نختار أن نحمله معنا.
استدارت لتنظر إليه، ووجدت في عينيه شيئًا لم تفهمه بعد، لكن جزءًا منها أراد اكتشافه.
***
في أحد الأزقة الضيقة، كان فالكر يحاول إيقاف النزيف من جرح كيرا، بينما كان قلبه ينبض بجنون، كانت عيناها نصف مغمضتين، لكنها ما زالت تنظر إليه بابتسامتها المتعبة.
كيرا بصوت ضعيف لكنه دافئ:
- لست مضطرًا لحمل كل هذا العبء وحدك، فالكر.
زم شفتيه، وكأن كلماتها أثقلت كاهله أكثر.
فالكر بصوت منخفض لكنه مملوء بالعاطفة:
- وأنتِ لستِ مضطرة إلى أن تكوني دائمًا قوية أمامي.
رفعت يدها ببطء، ولمست وجهه برفق، كان ذلك كافيًا ليجعله يغمض عينيه للحظة، كأنه يهرب من شيء لم يكن مستعدًا لمواجهته بعد، لكن الحقيقة كانت واضحة لم يعد بإمكانه تخيل عالم لا تكون هي جزءًا منه.
***
في القاعة الكبرى للقصر، حيث لا تزال الشموع تضيء بضع زوايا، كان إيفان ينتظر، عيناه مثبتتان على الباب، دُفع الباب ببطء، وظهرت إليانا، خطواتها مترددة، لكنها لم تتوقف.
إيفان بابتسامة زائفة:
- أخيرًا قررتِ المجيء.
نظرت إليه، وعيناها مليئتان بالصراع.
إليانا: أريد إجابات.
ضحك بخفوت، ثم اقترب منها ببطء، صوته كان ناعمًا لكنه محمّل بالخطر:
- أجوبة، أم حقائق تودين الهروب منها؟
كانت تعرف أن هذا اللقاء سيغير كل شيء لكنها لم تكن مستعدة لما سيأتي بعده.
***
عند أطراف المدينة، حيث التلال تمتد بعيدًا، وقف داريوس وليارا معًا، يراقبان أول خيوط الفجر تحاول اختراق السماء.
ليارا بصوت خافت:
- هل تعتقد أننا سننجو من هذا؟
لم يجب فورًا، فقط نظر إليها للحظة طويلة قبل أن يهمس:
- سنبقى طالما أننا نحارب.
لكن السؤال الحقيقي لم يكن عن البقاء فقط بل عن الثمن الذي سيدفعونه في النهاية.